كتبت كارين عبد النور في نداء الوطن:
ذات يوم من شهر حزيران 2020، تعهّدت الجامعات الخاصة أمام وزير التربية والتعليم العالي بعدم رفع أقساطها. وذات يوم آخر من شهر كانون الأول من العام نفسه، رفع مجلس التعليم العالي توصية باعتماد الجامعات سعر الصرف الرسمي (1507.5 ليرات لبنانية) - وكان المقصود حينها الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) والجامعة اللبنانية الأميركية (LAU). لا التعهّد صمد ولا التوصية فعلت فعلها. فقد بادرت جامعات إلى رفع أقساط فصل الربيع للعام 2021، بداية على سعر صرف 3900 ومن ثم على سعر صرف 8000، ما دفع بكثير من الطلاب للتوجه إلى القضاء. وبين الجامعات من جهة والطلاب من جهة أخرى، بقيت وزارة التربية والتعليم العالي الغائب الأكبر.
منذ أيام، خرجت الجامعة اللبنانية الأميركية على طلابها بقرار حول تقاضي الأقساط بالدولار الطازج ابتداء من فصل الخريف 2022. أي، ببساطة وعلى سبيل المثال، الطالب الذي كان مقدار قسطه السنوي 30 مليون ليرة، سيترتب عليه في العام الدراسي المقبل دفعه بواقع 500 مليون ليرة.
بالعادة، تلجأ الجامعات الخاصة إلى تصرفات منسّقة وممنهجة. فهل نحن أمام مشهد «جسّ نبض» سيُعاد النظر فيه إن استمرّت المعارضة الطلابية الشرسة للقرار، أم أننا إزاء واقع جديد تكرّ فيه السبحة لتحذو باقي الجامعات الخاصة حذو الجامعة اللبنانية الأميركية؟
إما دعاوى أو فصل دراسي...
أكّد منسّق اللجنة القانونية في المرصد الشعبي، المحامي جاد طعمة، وجوب احترام القانون الذي يرعى العلاقة بين الطالب والجامعة ألا وهو «قانون التعليم العالي في لبنان». فالقانون يفرض على الجامعات الخاصة، في حال أرادت رفع الأقساط، التشاور في ذلك مع المجالس الطلابية. وفي وقت أشار إلى أن رأي المجلس الطلابي غير ملزم لإدارة الجامعة، إلا أنه من واجب الأخيرة التشاور مع هؤلاء وهذا ما لم يحصل قطعاً. وأضاف: «لم تقتصر مخالفات الجامعات الخاصة على ذلك. فمن خلال التوصية التي رفعها مجلس التعليم العالي لناحية ضرورة تطبيق الجامعات للقانون أعلاه وإلزامها بتقديم موازناتها إلى وزارة التربية، استشفينا حينها أن الجامعات لا تقوم أيضاً بتقديم موازناتها إلى الوزارة، وهذه مخالفة أخرى».
فماذا حصل بالتحديد؟ بعد أن استمرت كل من الجامعة اللبنانية الأميركية والجامعة الأميركية في بيروت باعتماد سياسة الترهيب سعياً منهما لتطبيق قرار دولرة الأقساط، قام عدد من الطلاب بتقديم دعاوى يطالبون فيها بدفع أقساط فصل ربيع 2021 على سعر الصرف الرسمي الذي قُدّر حينها بـ 1520 ليرة. أما الدعاوى، فكانت عبارة عن إثبات العرض والإيداع الفعلي إذ بعد ان استلم الطلاب بيانات الأقساط بالدولار، توجهوا إلى دائرة كاتب العدل حيث أودعوا قيمة القسط على سعر الصرف الرسمي. وكان من شأن ذلك أن أدى إلى نزاع قضائي حادّ مع الجامعات. «المفارقة»، بحسب طعمة، أنه «ابتداء من فصل خريف 2021 وربيع 2022، تعمّدت الجامعة اللبنانية الأميركية إصدار بيانات أقساطها بالليرة اللبنانية حصراً، حارمة بذلك الطلاب من إكمال دراستهم ما لم يُبرموا معها اتفاقاً ينص على سحب الدعاوى الموجهة ضدّها».
الأمن التربوي على المحك
لا شك أن الانهيار الاقتصادي وفقدان العملة الوطنية قيمتها أثّرا بشكل مباشر على الجامعات كما على الأهالي والطلاب. لكن، من وجهة نظر طعمة، «على الإناء الكبير أن يستوعب الإناء الصغير» لا سيما وأن الجامعات، بحسب قانون التعليم العالي، هي مؤسسات تربوية لا تبغي الربح. كما لا يخفى على أحد ما حققته جامعات عديدة من أرباح خيالية خلال الأعوام الماضية تظهّرت مشاريع توسّعية وعمراناً وشراء أراضٍ. فـ»مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وحجز أموال الطلاب والأهالي في المصارف، كان من باب أولى أن تتحمل الجامعات طلابها بدلاً من أن ترهق كاهل الأهل، خصوصاً أنها تمكنت من الحصول على مساعدات من الخارج بالدولار الطازج».
فعلى ضوء القرارات التي صدرت عن قضاء العجلة في ما يتعلق بالجامعتين الأميركية واللبنانية الأميركية، يقول طعمة: «نصحنا الطلاب بالتفاوض مع جامعات أخرى- على غرار جامعة القديس يوسف والجامعة العربية، وقد فرضت الأولى والثانية زيادة على الأقساط بمقدار 250 و600 دولار فريش توالياً- وعدم اللجوء إلى القانون لأن القضاء المتواطئ يشبه القضاء غير العادل». والجامعة الأنطونية حذت حذو الجامعتين المشار إليهما.
الحلول موجودة ولكن...
على وقع تزايد وتيرة غضب الطلاب، يصبح البحث عن حلول ما متاحة أمراً ملحاً. ففي حديث مع الخبير الاقتصادي، البروفسور جاسم عجاقة، سألنا عن مدى فاعلية إيجاد مخرج من عنق الزجاجة عن طريق حل محوره الدولار الطالبي. يجيب عجاقة أن اللجوء إلى حل مماثل سيكون بغاية السوء. فالدولار غير متوفر أصلاً، وفي حال تم الاتجاه لطبع ما يوازي قيمته الحقيقية بالليرة اللبنانية ستشهد الليرة تراجعاً أكبر. ثم هناك من يطالب بتخفيض رواتب الطواقم الإدارية للجامعات تماشياً مع السياسات التقشفية التي يجب اتباعها. لكن ذلك لا يلقى صدى ذا أثر حيث أن عالم الأعمال عادة ما ينظر إلى الرواتب المرتفعة على قاعدة أنها تتماشى حكماً مع مستوى المسؤولية الملقاة على عاتق الأفراد كل في موقعه.
أين الدولة؟
ما الحل إذاً؟ «أن تلزِم الحكومة بتسديد الأقساط من الحسابات المصرفية لأصحاب العلاقة إن بواسطة الشيكات أو وسائل الدفع الأخرى»، يقول عجاقة. فإذا كانت الجامعات تعاني من أزمة سيولة، يتوجّب عليها معالجتها مع المصارف وليس مع الأهالي. ويتابع أن المفتاح هو أولا وأخيراً بيد الحكومة، وأي خطوات أخرى يجب أن تبدأ من هناك. فبالإضافة إلى فرض دفع الأقساط في الحسابات المصرفية الموجودة، يتعين على وزارة التربية والتعليم العالي أن تتحرك، إذ هي لا تقوم بالخطوات اللازمة. لنأخذ مثلاً طالب الطب: وَضعُه خاص لأنه يخضع لمنهج يستوجب تأمين عدد معيّن من المواد له. فكيف يمكن منعه من متابعة تلك المواد إذا لم يسدّد القسط بالدولار؟ وفي حين يتوجب على الدولة أن تبتكر حلولاً لمساعدة الجامعات في تسديد المصاريف التشغيلية بالدولار الطازج، كالمازوت ومعدات المختبرات وغيرها، يضيف عجاقة: «يجب أن يكون لوزارة الخارجية دور فاعل أيضاً في التوجه إلى حكومات الدول التي تقوم الجامعات اللبنانية بتسديد اشتراكات خارجية لها، لا سيما المكتبية منها. كذلك بإمكان الحكومة من خلال القنوات الدبلوماسية والعلاقات الخارجية توفير مصاريف البعثات أو الأفراد الأجانب الذين يزورون الجامعات بهدف إعطاء المحاضرات».