يوم كتبت مقالًا بعنوان "أن الإنتخابات النيابية حاصلة حاصلة حاصلة" لم يهدأ هاتفي. تلقيت أكثر من إتصال. البعض يستفسر عمّا إذا كان ما كتبته مبنيًا على معلومات ومعطيات حسّية أم أنه مجرد تحليل. وآخرون إتصلوا ليؤكدوا أن الإنتخابات لن تحصل. عددّوا لي الأسباب، وهي كثيرة، ولكنها لم تقنعني. ولا أعتقد أني أقنعتهم بوجهة نظري.
عندما تحدّث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في آخر إطلالة له وإتهم أميركا بالعمل على "تطيير" الإنتخابات أعاد المتصلون الكرّة فقط لـ"يحطّوا على عيني". و"بردو" لم أقتنع، وبقيت على موقفي بأن هذه الإنتخابات حاصلة.
في جلسة مجلس الوزراء أمس الأول كان كلام لرئيس الجمهورية قال فيه "نحن على بعد شهر من الانتخابات النيابية وما زال البعض يشكك بإجرائها. اجدد تأكيدي بأنها قائمة في موعدها وقد أقرت الاعتمادات الاضافية لها".
أمّا رئيس الحكومة فقال: "هذا الاستحقاق سيحصل في موعده ونحن ملتزمون بذلك، والاعتمادات المطلوبة يجري تأمينها".
ما يؤكد حصول الإنتخابات، على رغم بعض الصعوبات اللوجستية، وبالأخص في أقلام إقتراع الإغتراب، أن جميع الأطراف في كلا المحورين المتنافسين، أي محور "حزب الله" وحلفائه، ومحور "القوات اللبنانية" وحلفائها، يعملون ليلًا ونهارًا، من أجل تحقيق أمرين مشتركين من حيث الهدف، ولكنهما مختلفين من حيث المقاربة عبر هذا الإستحقاق: فـ"حزب الله" يريد أولًا أن يكرّس حيازته على الأكثرية النيابية من خلال مروحة تحالفاته على الساحات المسيحية ("التيار الوطني الحر" وتيار "المردة") والدرزية (طلال ارسلان ووئام وهاب) والسنّية ("اللقاء التشاوري"). ويريد ثانيًا أن يحافظ "التيار الوطني الحر" على إمتلاكه أكبر كتلة نيابية مسيحية.
في المقابل تريد "القوات" أولًا أن تثبت للداخل والخارج أنها مع "حلفائها السياديين"، تشكّل جبهة متراصة في وجه "محور الممانعة"، وتعمل ثانيًا على حصولها على أكبر كتلة نيابية مسيحية.
ولتحقيق هذين الهدفين يستخدم كل من "حزب الله" و"القوات اللبنانية" كل أنواع "الأسلحة" المسموح بها أحيانًا، وغير المسموح بها أحيانًا كثيرة، في المعارك الإنتخابية. فلكل منهما نقاط قوة ونقاط ضعف... و"الشاطر بشطارتو".
ولتحقيق هذين الهدفين وغيرهما من الأهداف غير المعلنة لا بدّ من أن يذهب الجميع إلى صناديق الإقتراع، "حيث يُكرم المرء أو يُهان".
وحدها الإنتخابات النيابية تحدّد ما يريده الشعب وليس الساحات. وحدها هذه الإنتخابات تفرز الخيط الأبيض عن الخيط الأسود.
هذا سبب من الأسباب الإضافية التي تدفعنا إلى التأكيد أن الإنتخابات حاصلة حتمًا، لأنها الوحيدة القادرة على تحديد الأحجام مرّة نهائية.
وما يدفعنا أيضًا إلى تأكيد المؤكد أن الجيش أصبح على جهوزية تامة لمواكبة هذا الاستحقاق المفصلي، وهي بدأت ترتسم على الورق في خطة عملانية ليوم 15 أيار ولليومين اللذين يسبقانه، والذي يليه.
فبعد إطلاق وزارة الداخلية صفارة الانطلاق اللوجستي والأمني للأجهزة التابعة للوزارة، يتولى الجيش من جهته وضع خطته الخاصة قبل عقد اجتماعات تنسيقية مع قوى الأمن والأجهزة الأخرى. فالجيش يتولى عادة حماية محيط مراكز الاقتراع فيما تعكف الأجهزة المختصة في المؤسسة العسكرية على التحضير لنشر القوى العسكرية وتحديد رقم العديد ووضع خطة مواكبة لتأمين متطلبات العسكر اللوجستية وتأمين متطلباتهم ليوم كامل. ولذلك تعقد اجتماعات تنسيقية قبل الانطلاق إلى المرحلة الفعلية واستكمال كل عناصر الجهوزية.
ولأن المصطادين في المياه العكرة كثر فإن المؤسسة العسكرية تأخذ في الحسبان إمكانية تحريك بعض "الخلايا الإرهابية النائمة"، وهي تحتاط لذلك من خلال أجهزتها الإستخباراتية، ومن خلال ما يُعرف بـ"الأمن الإستباقي"، لإحباط أي محاولة أمنية قد تكون دافعًا لـ"تطيير" الإنتخابات.
من هنا يمكن الجزم بأن الإنتخابات حاصلة حاصلة حاصلة.