يحلّ عيد الفطر المبارك هذه السنة في ظروف "استثنائية"، لا تعود فقط إلى الوضع العام الذي حوّل المناسبات السعيدة إلى "مآسٍ" بالجملة للكثير من العائلات، التي ما عادت قادرة على زرع "ابتسامة" على وجوه أطفالها بالحدّ الأدنى، ولكن لكونها تتزامن مع بدء "العدّ العكسي" لاستحقاق انتخابي يبدو "مفصليًا"، ولو أنّ "التشكيك" بحصوله كان سمته الأبرز حتى الآن!
لن تكون عطلة عيد الفطر مناسبة فقط لإنهاء الصيام عن الطعام والشراب والتفرّغ للعبادات كما يفترض خلال شهر رمضان المبارك، ولكنّه سيكون كذلك مناسبة لرفع حجم "الحشد والتعبئة"، وتكثيف المهرجانات الانتخابية كما هو متوقع في مختلف المناطق، ولا سيما أنّ اسبوعين فقط لا يزالان يفصلان اللبنانيين عن "اليوم الموعود" المقرّر في الخامس عشر من أيار، على أن يسبقه "يومان انتخابيان" في الاغتراب، الجمعة والأحد المقبلين.
وتزامنًا مع بدء "العدّ العكسي" للانتخابات، تتكثّف وتيرة "التوترات" التي يجوز وصفها بـ"الانتخابية"، وآخرها ما حدث قبل يومين خلال زيارة رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل إلى عكار، حيث استُقبِل بقطع الطرقات والاحتجاجات، في "رسالة" أراد البعض إيصالها إليه، إلا أنّه "وظّفها" سريعًا للسؤال عن "الأمن الانتخابي" للناخبين والمرشحين، مشتكيًا في هذا السياق من افتعال المشاكل بما يؤدي إلى غياب "تكافؤ الفرص".
ماذا حصل مع باسيل؟
تتفاوت وجهات النظر ممّا حصل في عكار على هامش زيارة باسيل يوم السبت، وإن اتفق الجميع على أنّ الحادث، وبمُعزَلٍ عن كيفية مقاربته وطريقة تحميل المسؤوليات على خطّه، يشكّل "خرقًا" لقانون الانتخاب، الذي يفترض أن يتمتع جميع المرشحين بتكافؤ الفرص، وأن يحظوا بحرية في الحركة بالحدّ الأدنى، بما يتيح لهم القيام بحملاتهم الانتخابية، من دون أيّ قيود أو ضغوط، ومن دون خوف من فوضى أو غضب وما إلى ذلك.
رغم ذلك، ثمّة من يقول إنّ الحادث "ضُخّم"، وإنّ الاحتجاجات التي حصلت هي "رسالة" أراد أبناء المنطقة إيصالها إلى باسيل بما يمثله كرئيس لـ"التيار الوطني الحر" ووزير شارك في الحكومات المتعاقبة منذ سنوات، وليس كمرشح للانتخابات النيابية، وهي احتجاجات لطالما رافقت زيارات باسيل إلى المناطق التي كانت توصَف في بعض الأحيان بـ"الاستفزازية"، وتستند بالتالي إلى مبدأ "حرية التعبير" الذي ينبغي أن يكون مصانًا ومحصّنًا.
أما الحديث عن "تكافؤ الفرص" الذي يثيره باسيل والمحسوبون عليه للإيحاء بـ"مظلومية" يتعرّضون لها، من خلال محاولة "منعهم" من زيارة بعض المناطق، فمردود بالنسبة لخصومه، الذين يشيرون إلى أنّ "تكافؤ الفرص" ينعدم حين يكون باسيل "محصّنًا" بحماية القوى الأمنية، التي رافقته في زيارته، وفتحت له الطريق، وهو ما لا يحظى به الكثير من المرشحين الآخرين، وما نجاحه في إقامة مهرجانه الانتخابي في نهاية المطاف سوى الدليل على ذلك.
حوادث بالجملة!
رغم "الطنّة والرنّة" التي رافقت زيارة باسيل إلى عكار، والاستغلال السياسي الذي أعقبها فورًا، فإنّ هذه الحادثة ليست "يتيمة"، بل إنّ هناك من يصنّفها "الأقلّ خطورة" بين سلسلة الحوادث الأمنية التي تشهدها الحملات الانتخابية، والتي مرّت بمعظمها من دون أيّ تعليق من باسيل وتيّاره، رغم أنّ الفريق الذي كان يتسبّب بها هو محسوب على حلفائه في الكثير من الأحيان، ما يضع مرّة أخرى علامات استفهام حول "الازدواجية" التي يتعامل بها البعض.
ولعلّ الحادث "الأخطر" حتى الآن لا يزال ذلك الذي سُجّل في الصرفند، حين مُنِعت اللائحة المعارضة لثنائي "حركة أمل" و"حزب الله" في دائرة الجنوب الثانية، من إقامة مهرجانها في الزمان والمكان المحدّدَين، ولم يقتصر الأمر على قطع الطريق على الراغبين بحضوره، بل تطور إلى اعتداءات وإطلاق نار، من دون أن تتحرّك القوات الأمنية لحماية المرشحين والناخبين، وهو ما لم يحصل مع باسيل على سبيل المثال.
وعلى غرار هذا الحادث، ثمّة العديد من الحوادث التي سجّلت في الآونة الأخيرة، والتي يرجّح البعض أن تتكثّف مع اقتراب الانتخابات، إن لم تتحرّك القوات الأمنية لوضع حدّ لها، ومن بينها على سبيل المثال الاعتداء على المرشح عباس الجوهري في بعلبك، أو التعرض لموكب النائب هادي حبيش خلال زيارة له في منطقة عكار العتيقة، أو إطلاق النار على أحد المنازل في تعلبايا أثناء زيارة كان يقوم بها المرشح حسين رعد.
لا شكّ أنّ كلّ هذه الحوادث الأمنية، في ذروة موسم الانتخابات، من شأنها التأثير على نزاهة وديمقراطية العملية الانتخابية، ولو بقيت برأي كثيرين "فردية"، ولا تعبّر عن "مناخ عام"، فهي بالحدّ الأدنى، تشوّش على المرشحين، ولا توفّر لهم البيئة المناسبة لخوض المعركة الانتخابية، ولا تحفظ قبل كلّ شيء أمنهم الذي يبدو "مهدَّدًا" في أكثر من مكان، فهل من "رادع" لها، قبل فوات الأوان؟!