تحاول "القوات اللبنانية" الحصول على أكبر عدد من النواب مقارنة بعدد نواب كتلتها في العام 2018، لذلك فهي تسعى لتجاوز النكسات الشعبية والانتخابية التي أصابتها في الأشهر الاخيرة .
لكن حبل الخلاص رُمي لـ "القوات" في اللحظات الاخيرة ما دفعها للتحالف مثلا مع خالد الضاهر في عكار، ومرشح الرئيس فؤاد السنيورة في كل من زحلة وصيدا ومع اللواء أشرف ريفي في طرابلس الامر الذي منحها فرصاً جدية لتحسين واقع كتلتها من دون ان يكون الامل كبيراً في أن تتجاوز الرقم الذي كانت عليه بعد الانتخابات الاخيرة.
باتت "القوات اللبنانية" مكشوفة سنّياً بشكل لافت وذلك بعد مقاطعة الرئيس سعد الحريري للانتخابات وإظهاره للقوات على أنها منقلبة على المشروع السياسي الذي انتج تحالفاً متيناً في مرحلة ما مع "المستقبل"، لذلك فإن انكشاف "القوات" في الدوائر السنيّة يتظهّر اكثر فأكثر مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، ولعل ما يحصل في دائرة الشمال الثانية (طرابلس، المنية، الضنية) خير دليل على ذلك لأسباب متعددة.
اولا، تمكن "تيار المستقبل" عبر قواعده الشعبية من اظهار "القوات" بوصفها "غريبة" عن الوجدان السنّي بعد ان كانت الاقرب الى هذا الشارع في السنوات الماضية، ونجح في تعزيز خصومته معها وتعميق هوّة الاستعداء بين الطرفين ما أثر سلباً على "النفَس السنّي" في المناطق التي يملك المستقبل فيها نفوذاً، فمثلاً في دائرة البقاع الغربي رفض النائب محمد القرعاوي التحالف مع القوات بل وخاض معركة لإقصائها عن لائحته.
اضافة الى ذلك، فإن أداء رئيس "حزب القوات" سمير جعجع بدا في الفترة الاخيرة كمن يسعى "للقوطبة" على الاصوات السنّية، وذلك من خلال مخاطبة القاعدة الجماهيرية للتيار "الازرق" وكأنه "الزعيم البديل"، الامر الذي رفضه مناصرو الرئيس سعد الحريري متهمين جعجع بطعنه.
يبدو أن كل الجهود التي يقوم بها "حزب القوات" في طرابلس على المستوى الخدماتي ستذهب هباء، إذ إن السبب الثاني لرفضه، يعود الى تاريخ "القوات" مع المدينة والذي من الصعب محوه من الذاكرة، هذا التاريخ الذي كُتب بحروف آل كرامي، ولا يزال حتى اليوم نقطة ضعف "للقوات" التي تسعى لتقويتها عبر خطابات شعبوية تلامس انكسار السنّة امام ما يصفونه بـ "هيمنة حزب الله" حيث تأتي الانتخابات النيابية بعد أيام من ذكرى 7 ايار المشؤوم، والتي يدرك جعجع، وسواه، انها مفتاح ذهبي للدخول من البوابة السنّية.
لا ينفك الطرابلسيون يستذكرون مع "طحشة" القوات في الفيحاء اياماً قاسية ومشاهد أليمة مرّت في مرحلة سوداوية يرفضون النبش فيها وإيقاظ جرحها من جديد، فما مضى مضى "وذهب بحال سبيله"، لكن ما لا يمكن التغاضي عنه ابدا هو محاولة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الانقلاب على خطابه السابق الذي يشيد فيه بالنائب جبران باسيل مادحاً من خلاله خطة "الوطني الحر" للكهرباء، والقول ان الظلام الذي يغرق فيه لبنان اليوم هو نتيجة للـ "ما خلونا" الشهيرة!
من جهة اخرى، فإن الطائفة السنيّة التي حمّلت في مرحلة ما الرئيس سعد الحريري مسؤولية "التسوية الرئاسية" وما نتج عنها من تنازلات وانهيار كامل للبلاد بعد وصول "الجنرال" ميشال عون الى سدّة الرئاسة الاولى، لم تنسَ أيضاً أن "تفاهم معراب" عام 2016 مهّد لضمان عون مقعده الرئاسي، حيث لعب جعجع آنذاك دوراً أساسياً ومباشراً في وصوله معتبراً ان شد العصب وانهاء الانقسام المسيحي كان ضرورة قصوى في تلك الفترة، ما دفع بالرئيس سعد الحريري يومذاك للرضوخ لواقع التوافق المسيحي الذي كان جعجع يُعلي رايته. لكن الصراع على الحصص الوزارية والنزاع على المصالح أفشل بنود الاتفاق فانقلب جعجع على "التفاهم" واستعر الخلاف بين الفريقين ولا يزال مستمراً حتى هذا اليوم حيث استغله الاخير في مواجهاته السياسية، وتحالفاته الدولية، واخيرا في معركته الانتخابية.
اليوم وبعد كل الدمار الذي ألحقه "تفاهم معراب" بلبنان، يأمل رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي رفع شعارات "الثورة والتغيير" بـ "تجيير" اصوات السنّة لصالحه في المعركة النيابية المقبلة، حيث سعى مراراً عبر الاعلام للايحاء بأن "الاكثرية السنيّة" الممثلة بالرئيس سعد الحريري تقف الى جانبه. لكنّ الواقع، وبحسب المعطيات، قد يُحبط خطط جعجع إذ إنه لم يسلم أيضاً خلال الاحتجاجات الشعبية (ثورة 17 تشرين) من غضب اللبنانيين.
"حروب" جعجع لا تنتهي، وشعاراته تطوّق رؤيته السياسية بدخان النيران التي يطلقها بين حين وآخر. وثمة حساسية طرابلسية تجاه "القوات"، فطرابلس، ذات الاغلبية السنيّة، لن ترضى أن تكون رأس حربة في صراعات جعجع، ورغم كل الدعم الاعلامي وعلى مواقع التواصل الذي يلقاه تحالف جعجع - ريفي، ودعم الماكينة الانتخابية لاحد النواب السابقين للقوات اللبنانية، غير أن الصورة لا تعكس الواقع على الاطلاق الا في حال حصول مفاجآت، وغداً لناظره قريب!