من الصعب المبالغة في تقدير مدى سوء حياة المواطن العادي منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان، في عام 2018، ومقدار ما فعلته النخبة السياسية في البلاد لتخفيف الضربة.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، "التصويت هو أول فرصة للجمهور للرد رسميًا على أداء قادته ، ولكن السؤال الأكبر حول ما إذا كان النظام السياسي في لبنان قادرًا على إصلاح اختلالاته العديدة. إعتقد عدد قليل من الناخبين الذين كانوا موحودين في مراكز الإقتراع يوم الأحد والمنتشرة ضمن العاصمة بيروت أن هذا النظام قادر على تحقيق هذا الأمر، على الأقل في الامدى القصير. إن التركيبة المعقدة للبلاد، مع وجود 18 طائفة دينية معترف بها رسميًا وتاريخ من الصراع الأهلي، تدفع العديد من الناخبين إلى انتخاب إخوانهم في الدين، حتى لو كانوا فاسدين. وفي بلد يبحث فيه المواطنون عن رئيس حزبي لاجتياز البيروقراطية أو الحصول على وظائف حكومية لأبنائهم، يساعد الفساد الأحزاب السياسية في خدمة ناخبيها. لكن الانهيار شكل ضغطا جديدا على ذلك النظام القديم".
وتابعت الصحيفة، "بدأت الأزمة في أواخر عام 2019، عندما اندلعت الاحتجاجات ضد النخبة السياسية في شوارع بيروت وشملت مدناً أخرى. أدى ذلك إلى تفاقم الضغط على المصارف، التي كانت تشارك في محاسبة إبداعية مع البنك المركزي لدعم العملة وكسب عوائد غير مستدامة للمودعين. وشبّه النقاد هذه الخطوة بمخطط ما لبث أن فشل فجأة. فبدأت قيمة الليرة اللبنانية في التراجع وخسرت 95 في المئة من قيمتها، ووضعت المصارف التجارية قيودًا على عمليات السحب، رافضة إعطاء الناس أموالهم لأن المصارف خسرتها فعليًا. مزق الاضطراب المالي الاقتصاد. ارتفعت الأسعار، وفشلت الشركات، وارتفعت البطالة بشكل كبير وهاجر الأطباء والممرضون وغيرهم من المهنيين للحصول على رواتب أفضل في الخارج. الدولة، التي لم تكن توفر الكهرباء على مدار 24 ساعة من قبل، كانت تعاني من تدني شديد في السيولة النقدية لدرجة أنها بالكاد تزودها بأي شيء على الإطلاق، حتى لتشغيل إشارات المرور. ومما زاد الطين بلة، انفجار هائل في مرفأ بيروت في آب 2020، نتج أيضًا عن سوء الإدارة الجسيم، وأودى بحياة أكثر من 200 شخص وألحق أضرارًا بمليارات الدولارات. على الرغم من الخسائر التي تقول الحكومة إن مجموعها 72 مليار دولار، لم يتوقف عمل أي من المصارف، ولا يزال حاكم مصرف لبنان يمارس مهامه، ولم تتم محاسبة أي من السياسيين الذين دعموا السياسات التي أدت إلى الانهيار. خاض بعضهم انتخابات الأحد، ومن المرجح أن يفوزوا".
وأضافت الصحيفة، "العديد من المرشحين هم وجوه مألوفة سيكافحون لتقديم أنفسهم كعوامل تغيير.
قدم حزب الله، الذي له كتلة كبيرة في البرلمان وتعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية، مجموعة من المرشحين. وآخرون هم أمراء الحرب من الحرب الأهلية اللبنانية التي انتهت عام 1990، أو في بعض الحالات أبناءهم. لقد سئم الكثير من الناخبين للتو وليس لديهم ثقة كبيرة في أن أصواتهم ستحدث فرقًا. قالت باسكال وكيل، 35 عاما، "نعلم أنهم لن يغيروا أي شيء"."
وبحسب الصحيفة، "العديد من أولئك الذين ترشحوا للانتخابات لديهم صلات بالنظام المالي، الذي على حد قول أوليفييه دي شاتر، خبير الأمم المتحدة المعني بالفقر، لديهم مسؤولية مشتركة عن "الأزمة المصطنعة" في لبنان والتي تسببت في انتهاكات حقوق الإنسان. وكتب في تقرير نُشر الأسبوع الماضي: "لقد تم القضاء على مدخرات العمر من قبل قطاع مصرفي متهور استدرجته سياسة نقدية مواتية لمصالحهم".
وأضاف: "جيل كامل محكوم بالعوز". قلة من الناخبين كانت لديهم آمال كبيرة على مدخراتهم المفقودة. لم يقم أنصار رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، الذي كان أبرز سياسي سنّي في البلاد حتى ترك السياسة في وقت مبكر من هذا العام، بإنشاء حمام سباحة واحد، بل حوضي سباحة قابلين للنفخ في الشارع للتأكيد على أنهم لن يصوتوا. لم يبلغ مراقبو الانتخابات الدوليون على الفور عن مخالفات كبيرة في صناديق الاقتراع، لكن لم يكن من الصعب العثور على مخالفات من خلال عرض الأموال النقدية مقابل الأصوات، بشكل مباشر أو غير مباشر. قدمت بعض الأحزاب الوقود حتى يتمكن الناخبون من القيادة إلى مناطقهم، ووزع آخرون قسائم طعام".
ورأت الصحيفة أن "علامات الخلل الوظيفي في البلاد كانت شائعة. وأدلى رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بصوته في مركز انقطعت الكهرباء فيه. "ما يهم هو أن هناك كهرباء في المساء عندما تبدأ عمليات الفرز"، قال لمراسل بينما كان يسارع إلى الخروج. بالنسبة للعديد من اللبنانيين، لا يزال الولاء الحزبي قوياً. وترشح العديد من الأشخاص الجدد، أيضًا، مؤكدين أنهم أكثر نظافة وأقرب إلى الناس. وتشير معظم التوقعات إلى أنهم لن يفوزوا إلا بعدد محدود من المقاعد في المجلس النيابي المؤلف من 128 عضواً، كما ويتوقع العديد من المحللين أن الطريق ستكون شاقة أمامهم لأنهم لا يملكون أي قاعدة حزبية. وغادر عدد كبير من اللبنانيين الميسورين البلاد بالفعل، والعديد منهم يبحثون عن طرق للخروج. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مجموعة الأبحاث Arab Barometer أن 48 بالمائة من المواطنين اللبنانيين يسعون إلى الهجرة".