شكل الكلام الذي قاله رئيس مجلس الوزراء نحيب ميقاتي في السراي الحكومي بشأن ملف الكهرباء مفاجأة للكثيرين الذين اعتادوا مقاربته الهادئة لكل المواضيع وتقصّده عدم الافصاح عن الكثير من الحقائق،منعا لزيادة الامور تعقيدا.
لكن العارفين ببواطن الامور لم يفاجئهم كلام ميقاتي بعدما ضاق ذرعا بالعرقلة المتعمدة لحل ملف هو "علّة العلل"،كما وصفه واستنزف الخزينة مليارات الدولارات على مدى اعوام وهناك من يصر على الاستمرار في نهج الاستنزاف بكل وقاحة.
ماذا قال ميقاتي بالامس"قرر مجلس الوزراء في جلسة سابقة التفاوض مع اربع شركات دولية هي "إنسالدو، ميتسوبيشي، جنرال الكتريك وسيمنس" في امكان تزويد لبنان بالمولدات اللازمة لانتاج الكهرباء بمعدل 24 ساعة وبصورة دائمة. وبالفعل فقد قدمت شركتا جنرال الكتريك وسيمنس، بالاتفاق مع مجموعات دولية، عرضا لتزويد لبنان بالطاقة الكهربائية قبل الصيف المقبل بسعر مقبول جدا، حتى بما يتعلق بسعر الغاز لانتاج الطاقة، ولكننا تريثنا في الامر الى حين اعداد دفتر شروط مناسب بطريقة شفافة ووفق القوانين المرعية. وصلني انا شخصيا ، كما وصل الى وزارة لطاقة ، عرضان من شركتي "جنرال الكتريك وسيمنس" ويقضي كل عرض بتزويد معملي دير عمار والزهراني بالف ميغاوات طاقة على الغاز ، على ان تؤمن الشركتان ايضا الغاز اللازم لتوليد الطاقة ، وبسعر مقبول جدا نسبة الى الاسعار العالمية.
قررنا تكليف مكتب استشاري وضع دفتر الشروط باسرع وقت ممكن لاجراء عملية تلزيم دولية وفق الاصول، لكن للأسف ، فبعدما ارسل معالي وزير الطاقة الطلب الى مجلس الوزراء ، تم سحبه بالأمس، من دون اعطاء اي تبرير الا "للمزيد من الدرس". كذلك فقد سحب وزير الطاقة من مجلس الوزراء الملف المتعلق بتغويز الغاز لمعمل الزهراني وفق مناقصة دولية تشارك بها شركات عالمية . وهذا العرض كان سيساعد لبنان في المستقبل".
تتمة الحقيقة
وفي تتمة لما قاله رئيس الحكومة، افادت مصادر معنية" ان طلب وزير الطاقة سحب البندين عن جدول اعمال مجلس الوزراء لم يكن الاول، اذ سبق له عشية جلسة مجلس الوزراء ما قبل الاخيرة التي عقدت الاسبوع الفائت ان طلب سحب الملفين نفسيهما "لمزيد من الدرس"، مع وعد بالاسراع في الدرس ليوضعا على جدول اعمال الجلسة الاخيرة، وهذا ما حصل. لكن المفاجأة ان الوزير نفسه الذي حضر وعقيلته الى السراي الحكومي بعد ظهر الاربعاء للمشاركة في "لقاء على فنجان قهوة" اقامه رئيس الحكومة وعقيلته للوزراء وعقيلاتهم، اعاد مجددا طلب سحب الملفين، علما ان جدول اعمال الجلسة كان شبه منجز وقيد الطبع لتعميمه على الوزراء.
ولدى الاستفسار من الوزير عن السبب بدا محرجا، رغم انه كان من اشد المتحمسين للعرض الذي ناقشه مع ممثلي شركتي "جنرال الكتريك وسيمنس"في اكثر من جلسة وبحث تفاصيله ايضا مع رئيس الحكومة.
وأمام اصرار بعض الحاضرين في لقاء السراي على استيضاح وزير الطاقة عن سبب طلبه سحب الملفين، اجاب باقتضاب احد زملائه الوزراء" معترضين انو الرئيس ميقاتي قال بمقابلة " تلفزيون الحرة "اخدت معي شهرين لشلت كلمة سلعاتا من الملف".
ولم يجب الوزير عن سؤال يتعلق بمن طلب منه تحديدا سحب الملف، مكتفيا بالقول مع ايماءة بالرأس واليد" هنّي".
وفي المعلومات ايضا انه بعد كلام رئيس الحكومة بالامس، تم الطلب الى وزير الطاقة من "فريق الوصاية على وزارة الطاقة"، الرد على كلام رئيس الحكومة، فاكتفى ببيان مكتوب اقتصر على رد عام".
مصدر متابع لمجريات ملف الكهرباء منذ أيام حكومة الرئيس ميقاتي الثانية عام ٢٠١١ قال"ان وزير الطاقة نفسه كان يرغب بتحقيق انجاز في ملف يخص وزارته، لكن يبدو ان البعض لا يريد ان يوسم "انجاز الكهرباء" باسم حكومة الرئيس ميقاتي، خصوصا بعد نتائج الانتخابات النيابية"الصادمة".
أضاف المصدر"التاريخ يعيد نفسه ومن تمسك بخيار البواخر واستنزف الخزينة كل هذه السنوات مستمر في خطته غير آبه بمصلحة البلد والعباد".
ما قاله رئيس الحكومة بالامس شكل الخطوة الاولى في نهج جديد سيتبعه في مرحلة تصريف الاعمال بوضع كل النقاط على الحروف.
وفي كلمته بالامس قال ايضا: بالتإكيد لن اكون شاهد زور إزاء محاولات رهن البلد مجددا بمصالح شخصية، او التعاطي مع الملفات الحيوية بمنطق الشخصانية الذي كلف الخزينة اعباء باهظة منذ سنوات.
ساظل اواجه المسؤولية بشجاعة ولكن لن اقبل بدفع البلد الى الانتحار، لأن هناك من يريد مصلحته قبل اي أمر آخر.ساقول كفى كلما لزم الامر وساصارح اللبنانيين بكل أمر.
"معا للانقاذ" لم يكن مجرد عنوان لحكومتنا بل كان فعل ايمان مستمر بهذا الوطن وبشعبه الابي الصامد".