منذ اللقاء الاول الذي جمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، بعد استقالة الحكومة، كان واضحا ان رئيس الجمهورية لن يدعو الى الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة قبل منتصف حزيران لاجراء اتصالات ومشاورات مسبقة.
تجمع الرئيسين علاقة احترام وود وتقدير ، لا يعطّلها التباعد بين ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لاسباب يعود بعضها الى ايام حكومة ميقاتي السابقة عام ٢٠١١ وتحفظه المستمر على خطط باسيل الكهربائية، المباشرة او التي يطرحها "وزراء الظل" المتعاقبون على الوزارة ، اضافة الى اسباب مرتبطة بمواقف دستورية وسياسية مبدئية يتمسك بها ميقاتي، ويقابلها باسيل بعتب دائم على قاعدة "ميقاتي ما بيحكي معنا ولا بيسأل".
لم يسم باسيل وكتلته ميقاتي لتشكيل الحكومة الحالية، لكنه منحه الثقة في مجلس النواب، فنالت حكومته ثقة البرلمان بأصوات 85 نائبا فيما حجب 15 نائبا الثقة عنها من إجمالي 100 نائب حضروا جلسة التصويت.
اليوم تدور العملية الدستورية مجددا وتتجه الانظار الى ميقاتي " باعتباره مرشحا طبيعيا لتشكيل الحكومة الجديدة". الا ان الرجل، الذي اصبح له باع طويل في العمل الحكومي والوزاري والنيابي،لا يبدو متحمسا لخوض التجربة الحكومية الرابعة، ويتهيب الموقف "بالنظر الى التحديات الكثيرة الحالية والمتوقعة الداهمة"، ويعتبر ان مهمته" لن تكون سهلة في ظل الانقسامات والمواقف والتجاذبات بين المكونات السياسية والنيابية التي اسفرت عنها الانتخابات".
حلال رحلة العودة من الاردن التي اجرى فيها لقاءات مثمرة مع القيادة الهاشمية والحكومة الاردنية، كان ميقاتي شديد التحفظ في الحديث عن اي أمر افتراضي يتعلق بالحكومة،ويعتبر " ان القرار بيد مجلس النواب وهو سيد نفسه في اختيار من يشاء لرئاسة الحكومة الجديدة"، ويدعو" الى انتظار الاستشارات التي سيجريها فخامة الرئيس قبل الحديث عن هذا الموضوع".
في اكثر من اطلالة اعلامية سئل ميقاتي عن الشروط التي تجعله يقبل بتكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، لكنه كان واضحا في الاجابة انه لا يضع شروطا بل يطرح مقومات لنجاح مهمته".
وفي هذا السياق تورد مصادر على صلة وثيقة بميقاتي تورد جملة معطيات وأسباب للقبول بالمهمة او رفضها، في حال سمّاه مجلس النواب.
اولا: تعتبر المصادر ان حكومة ميقاتي الحالية نجحت في تنفيذ ما تعهدت به لجهة اطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتوقيع الاتفاق الاولي معه، والبدء بالمعالجات المطلوبة للوصول الى مرحلة النهوض والتعافي اقتصاديا وماليا واجتماعيا.
كما تعتبر المصادر ان المخاطر الداهمة تحتم على رئيس الحكومة التحرك مجددا باتجاه صندوق النقد الدولي، والدول المانحة، ما يتطلب ان يكون مطلق اليدين ويملك هامشاً من الحركة، وهذا الامر يدركه ميقاتي سلفاً وعلى هذه الخلفية لن يخضع للمناورات السياسية من قبل أي طرف".
وتعتبر المصادر ايضا ان حكومة ميقاتي الحالية ارسلت الى مجلس النواب عدة مشاريع قوانين اصلاحية، تقتضي متابعتها بالسرعة المطلوبة كشرط اساسي لابرام الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، وبالتالي اذا لم تكن هناك نية مسبقة لدى جميع الاطراف الاساسية الممثلة في البرلمان للتعاون في انجاز هذه المشاريع ، فلا جدوى من تولي مسؤولية محكومة سلفا بالفشل.
ثانيا: تقول المصادر " ان ميقاتي يعتبر ملف الكهرباء علة العلل والسبب الاساسي في المديونية العامة، وبالتالي فهو لن يقبل باستمرار فريق واحد في الامساك بهذا الملف رغم الفشل المتكرر في ادارته وحله، ولن يقبل بان يفرض احد شروطه في هذا المجال.
وتنقل المصادر ان الاجتماع الاخير الذي رأسه ميقاتي مع وزير الطاقة وشركة كهرباء فرنسا وادارة المناقصات اطلق عمليا موضوع الاتفاق مع شركة كهرباء فرنسا لاعداد دفتر الشروط لانشاء معملين في الزهراني ودير عمار، وبالتالي فان المطلوب المضي في هذه المعالجة التي وضعت الملف على سكة الحل وعدم العرقلة او العودة الى خطط وشروط اثبتت الوقائع عدم جدواها او عدم اولويتها في الوضع الراهن".
ثالثا: يتمسك ميقاتي بالاصول الدستورية في عملية تشكيل الحكومة وتسمية الوزراء، والتي تقتضي التشاور مع رئيس الجمهورية، وبالتالي فهو لن يقبل بإن يملي عليه أحد ما يجب فعله وما لا يجب فعله، خصوصا وأن المؤشرات الاولية التي وصلته مباشرة او بالايحاءات والتسريبات،تثبت ان البعض يعيش على كوكب آخر ويرفض معايشة الواقع ،ويعتبر الوضع الحالي سيجعل اي رئيس حكومة يقبل بشروط هذا البعض، والتي اقل ما يقال فيها" أنها وقحة او غير منطقية".
وتختم المصادر بالقول " إن ميقاتي، الذي لم يتردد يوما عن قبول المهمة، في اصعب ظروف يمر بها الوطن، ليس لاهثا وراء المناصب وليس انتحاريا ليقدم على المجهول، بل رسم لنفسه صورة منطقية وواقعية لاي مهمة، وهو مدرك لما يعيشه الوطن، ويتصرف بحكمة وعملانية ويدير الشؤون الحكومية بشكل دؤوب مع الوزراء في فترة تصريف الاعمال ، ولن يتردد عن القيام بأي خطوة تقتضيها المصلحة العامة".