كثيرةٌ هي المحاولات لمواجهة آفة المخدّرات في المجتمع اللّبناني وإنقاذ حياة ضحاياها، لكنّ الأمر أكبر ممّا قد يتخيّله المرء. فأكبر دول العالم تعجز عن مكافحة المخدّرات، فكيف لبلد صغير مع كلّ ما يعانيه من أزمات وتحدّيات؟
إلّا أنّ ما يمكن فعله هو الإضاءة والتّذكير دائمًا بأضرارها الّتي توصل إلى حدّ الموت، ناهيك عن تدمير حياة المدمن وإضاعة مستقبله.
ما بعد الأزمة...
هل زادت نسبة التّعاطي بعد تفشّي جائحة "كورونا" والأزمة الاقتصاديّة الّتي يتخبّط بها لبنان؟ يجيب رئيس جمعيّة "نسروتو" الأب مروان غانم، الّذي يملك مركزًا لعلاج المدّمنات والمدّمنين على المخدّرات، لـ"لبنان 24"، أنّ "الوضع المعيشي الصّعب زاد من انتشار المخدّرات، وغرق الكثر فيها".
ورأى أنّ "عدد المدّمنين في لبنان زاد بنسبة 400 بالمئة خلال فترة كوفيد-19 والأزمة الاقتصاديّة، وهذا الأمر لا يبشّر بالخير".
بالمقابل، يشير مصدر مطّلع إلى أنّ "هناك فرضيّتين لوحظتا، الأولى تقول إنّ الأزمة زادت من نسبة التّعاطي جرّاء ارتفاع الضّغوطات اليوميّة، فيهرب العديد من الأشخاص إلى المخدّرات والكحول، متخيّلين أنّها الحلّ؛ فتقع الكارثة".
وأوضح أنّ "الفرضيّة الثّانية تعتبر أنّه بعد الأزمة، انخفضت نسبة التّعاطي لعدم امتلاك المال لشراء المخدّرات".
تعاطي وترويج
حصل "لبنان 24" على أرقام رسميّة حول المضبوطات والموقوفين منذ العام 2020 وحتّى أيّار 2022.
في العام 2020، تمّ ضبط داخل البلاد 1952 قضيّة و1 بحرًا، وتنوّعت القضايا بين تعاطي، إتجار، ترويج، تهريب، زراعة، نقل وتصنيع... كما تمّ توقيف 2233 شخصًا مقسّمين بين 1688 لبنانيًّا، 538 عربيّّا و7 أجانب، بجريمتَي تعاطي وترويج وغيرهما.
في العام 2021، تمّ ضبط 1464 قضيّة مقسّمة بين 1453 داخل البلد و9 في المطار و2 بحرًا، وتوقيف 1994 شخصًا بين تعاطي وترويج، وهم 1363 مواطنًا، 5 أجانب و626 فردًا يحملون جنسيّات عربيّة مختلفة.
أمّا في عام 2022 وتحديدًا حتّى شهر أيّار الماضي، فقد تمّ ضبط 454 قضية أكثرها مرتبكة بالتّعاطي والتّرويج وكلّها داخل البلاد، وعدد الموقوفين بلغ 654 مقسّمين بين 414 مواطنًا و240 عربيًّا.
انتقاء المدمنين؟
توافق الجميع على أنّ الحلّ لمدمن المخدّرات ليس السّجن بل العلاج والتّأهيل، ليعود ويصبح كائنًا فاعلًا في المجتمع. ومراكز كثيرة لعلاج المدمنين على المخدّرات موجودة في لبنان، وهي تعمل اليوم باللحم الحيّ.
ولم يخفِ الأب غانم المعاناة الكثيرة الّتي تعانيها مراكز العلاج وحاجتها للمساعدات، وبالوقت نفسه كشف عن تأثير الأزمة على المدمن، "فالأوضاع المعيشيّة الصّعبة تزيد من الضّغط على المدمن، الّذي يقضي وقتًا طويلًا بالتّفكير بمدى قدرته على العمل والتّلاقلم مع الوضع خارج المركز".
وأكّد الأب مروان عدم صحّة خبر أنّ هناك انتقاءً للمدّمنين، واختيارًا للحالات الأصعب بسبب الوضع المعيشي"، مبيّنًا "أنّنا لم نصل إلى مرحلة الاختيار بين المدّمنين، وكلّ إنسان طالب لعلاج نقدّمه له".
تبقى نظرة النّاس لمدمن المخدّرات هي الأسوأ... فكلّا متعاطي المخدّرات ليس بمجرم، وبدل نبذه من المجتمع يجب احتضانه وحثّه على العلاج.