ما أفتك فيروس على وجه الأرض؟ وكيف يحول البشر إلى زومبي؟ وكيف حاربه العلماء بإمطار الغابات برؤوس الدجاج؟ الإجابات في هذا التقرير الممتع.
ليس الهدف من هذا التقرير الإخافة، بل التعلم عن هذا المرض والحذر منه. وقد عدنا في إعداده إلى عدة مصادر، منها فيديو من قناة "كورتز غيزاغت" (Kurzgesagt) على اليوتيوب، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة المجتمع العلمي العربي، ومجلة أتلانتك.
الكَلَب أفتك فيروس على وجه الأرض
وفقا للفيديو المنشور على قناة "كورتز غيزاغت" (باختصار)، فإن فيروس الكَلَب هو أفتك فيروس على وجه الأرض، وهو يحول البشر إلى زومبي يخشون الماء، والحيوانات إلى وحوش غاضبة.
وللتوضيح، لا نتكلم هنا عن الزومبي بمفهوم الأفلام، بل نتكلم عن التغييرات العصبية التي تحدث للمصاب، والتي عادة عندما تبدأ أعراضها تكون احتمالية الموت تقريبا 100%. وهذا التشبيه لتوضيح خطورة المرض ولا يعني أي تهوين أو تبسيط للإصابة أو معاناة المصابين، الذين يموت عشرات الآلاف منهم سنويا بالمرض.
تقول منظمة الصحة العالمية إن داء الكَلَب مرض فيروسي يمكن الوقاية منه باللقاحات ويقع في أكثر من 150 بلدا وإقليما. وتعد الكلاب المصدر الأول لعدوى داء الكَلَب البشري المسببة للوفاة حيث تسهم في نسبة تصل إلى 99% من جميع حالات انتقال عدوى داء الكلب إلى الإنسان. ويمكن وقف انتقال العدوى بتطعيم الكلاب والوقاية من عضها.
تسبب العدوى وفاة عشرات الآلاف من الأشخاص سنويا معظمهم في آسيا وأفريقيا. وتقدر تكلفة داء الكلب على الصعيد العالمي بنحو 8,6 مليارات دولار سنويا. ويمثل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما 40% من الأشخاص الذين يتعرضون لعض الحيوانات التي يشتبه في إصابتها بداء الكلب.
ويحصل سنويا أكثر من 29 مليون شخص في العالم على التطعيم بعد التعرض لعض الحيوانات. ويمنع ذلك سنويا -وفقا للتقديرات- مئات الآلاف من الوفيات الناجمة عن داء الكَلَب.
فترة حضانة داء الكَلَب
تمتد فترة حضانة داء الكَلَب عادة من شهرين إلى 3 أشهر، ولكنها قد تتراوح بين أسبوع وسنة، ويتوقف ذلك على عوامل مثل موضع دخول الفيروس إلى الجسد والحمل الفيروسي، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
أعراض داء الكَلَب
تشمل الأعراض الأولية لداء الكَلَب:
الحمى المصحوبة بألم.
الشعور غير العادي أو غير المبرر بالنخز أو الوخز أو الألم الحارق (تنمل الأطراف) في موضع الجرح.
مع انتشار الفيروس في الجهاز العصبي المركزي، يحدث التهاب تدريجي ومميت في الدماغ والحبل النخاعي، وفقا لمنظمة الصحة.
مهاجمة فيروس الكلب للجهاز العصبي تقود إلى التغيرات التي وصفناها بأنها تجعل المصاب مثل الزومبي.
أشكال داء الكَلَب
داء الكَلَب الهياجي
يؤدي هذا الشكل إلى:
فرط النشاط.
الاستثارة.
رهاب الماء (الخوف من المياه).
رهاب الهواء (الخوف من تيارات الهواء أو الهواء الطلق) أحيانا.
وتحدث الوفاة بعد بضعة أيام نتيجة للتوقف القلبي والتنفسي.
داء الكلب الشللي
يمثل هذا الشكل نحو 20% من مجموع الحالات البشرية. ولا يتطور على نحو مفاجئ مثل الشكل الهياجي، ويتخذ مسارا أطول في العادة. وفيه:
تصاب العضلات بالشلل تدريجيا، بدءا من موضع العضة أو الخدش.
يدخل الشخص ببطء في حالة غيبوبة ويتوفى في نهاية المطاف.
وكثيرا ما يساء تشخيص الشكل الشللي لداء الكلب، مما يسهم في عدم التبليغ الكامل عن المرض، وفقا لمنظمة الصحة.
انتقال عدوى داء الكلب
يصاب الأشخاص عادة بالعدوى إثر تعرضهم للعض أو الخدش العميق من الكلاب أو الحيوانات المصابة، وتمثل حالات العدوى البشرية المنقولة من الكلاب المصابة 99% من الحالات.
وفي الأميركتين، أصبحت الآن الخفافيش السبب الرئيسي للوفيات الناجمة عن داء الكَلَب البشري، حيث نجح هذا الإقليم في وقف معظم سريان العدوى المنقولة عن طريق الكلاب. كما يمثل داء الكَلَب في الخفافيش خطرا مستجدا يهدد الصحة العامة في أستراليا وأوروبا الغربية. ونادرا ما تسجل وفيات بشرية ناتجة عن التعرض لعض الثعالب والراكون والظرابين وبنات آوى والأنماس وسائر اللواحم البرية الثاوية، وأما عض القوارض فلا يعرف كسبب لانتقال عدوى داء الكلب، وفقا لمنظمة الصحة.
ويمكن أن تنتقل العدوى أيضا عندما يلامس لعاب الحيوانات المصابة بالعدوى الأغشية المخاطية للبشر أو الجروح الجلدية الحديثة على نحو مباشر. وأشير من قبل إلى انتقال داء الكلب عن طريق استنشاق الرذاذ المحتوي على الفيروس أو زرع الأعضاء الملوثة، ولكنه لا يحدث إلا في ما ندر.
هل ينتقل داء الكلب بين البشر؟
تقول منظمة الصحة العالمية "يعد انتقال العدوى بين البشر عن طريق العض أمرا ممكنا من الناحية النظرية، ولكنه لم يؤكد قط. وينطبق ذلك أيضا على انتقال العدوى إلى البشر عن طريق استهلاك اللحوم النيئة للحيوانات المصابة أو ألبانها".
العلاج الوقائي بعد التعرض لفيروس داء الكلب
العلاج الوقائي بعد التعرض للفيروس يتمثل في العلاج الفوري للشخص بعد تعرضه لداء الكلب عن طريق العض. ويمنع هذا العلاج دخول الفيروس إلى الجهاز العصبي المركزي الذي يؤدي إلى الموت الوشيك.
ويتمثل العلاج الوقائي بعد التعرض للفيروس في ما يلي:
الغسل الجيد والعلاج الموضعي للجرح الناجم عن العض أو الخدش في أسرع وقت ممكن بعد التعرض المشتبه فيه.
الخضوع لدورة لقاح داء الكلب الناجع والفعال، المطابق لمعايير منظمة الصحة العالمية.
الحصول على الغلوبولين المناعي المضاد لداء الكلب في حال التوصية بذلك.
ومن شأن بدء العلاج فور التعرض لفيروس داء الكلب أن يمنع على نحو فعال من ظهور الأعراض والوفاة.
كيف تغسل الجرح بعد التعرض لعضة من حيوان يشتبه بحمله داء الكَلَب؟
ينطوي هذا التدبير من تدابير الإسعاف الأولي على شطف الجرح وغسله جيدا لمدة لا تقل عن 15 دقيقة بالماء والصابون أو بمادة منظفة أو بمادة البوفيدون اليودي أو غيرها من المواد التي تزيل فيروس داء الكلب وتبيده.
لقاح بعد التعرض
ويقول الأستاذ الدكتور عبد الرؤوف علي المناعمة، من الجامعة الإسلامية في غزة، في مقال بموقع منظمة المجتمع العلمي العربي، إنه عادة تأخذ اللقاحات كإجراء وقائي قبل التعرض للميكروب الممرض. لكن هناك حالات قليلة يمكن فيها أن يعطى اللقاح للإنسان بعد التعرض ومن هذه الحالات التعرض لفيروس داء الكلب.
الحيوانات الثدية
ويضيف أن داء الكلب أو السعار هو مرض فيروسي ينتقل عن طريق الحيوانات الثدية، مثل القرود، والثعالب، والقطط، والخفافيش وغيرها؛ ولكن تعد الكلاب هي الأكثر شيوعا، كما ينتقل بين الحيوانات.
الكائن المسبب لداء الكلب
اسم فيروس داء الكلب هو "ريبيس ليسافيروس" (Rabies lyssavirus)، وينتمي إلى رتبة "الفيروسات السلبية الأحادية" (Mononegavirales)، وهي فيروسات ذات جينومات "آر إن إيه" (RNA) غير مقسمة وسلبية. ضمن هذه المجموعة، يتم تصنيف الفيروسات ذات الشكل الذي يوصف بـ"الرصاصة" التي تتميز به عائلة "الفيروسات الربدية" (Rhabdoviridae) التي ينتمي لها فيروس داء الكلب.
تركيب فيروس داء الكلب
يبلغ طول الفيروس المسبب لداء الكلب 180 نانومترا تقريبا وعرضه 75 نانومترا. يشفر جينوم داء الكلب 5 بروتينات: البروتين النووي (N)، والبروتين الفسفوري (P)، وبروتين (M)، والبروتين السكري (G)، والبوليميراز (L).
كيف يتحرك فيروس داء الكلب في الجسم؟
ينتقل فيروس داء الكلب إلى الجرح من خلال عضة حيوان آخر.
يبدأ الفيروس حركته من مكان العض إلى الدماغ عن طريق التحرك داخل الأعصاب، حيث لا يبدو الحيوان أو المصاب مريضا خلال هذا الوقت. ويطلق على الوقت بين العضة وظهور الأعراض فترة الحضانة، وقد تستمر من أسابيع إلى شهور.
يصل فيروس الكلب عبر الأعصاب إلى النخاع الشوكي والدماغ، وعندما يصل الفيروس إلى الدماغ، يتكاثر بسرعة وينتقل إلى الغدد اللعابية.
يبدأ المصاب في إظهار علامات المرض، وعادة فإن ظهور الأعراض يعني أن المصاب سوف يموت.
كيف حارب العلماء الكلب برؤوس الدجاج؟
في مارس/آذار 1967، وصل وباء داء الكلب الذي تنقله الثعالب الحمراء إلى سويسرا. وكان الوباء مشكلة كبيرة، لذلك، كان لا بد من القيام بشيء ما بشأن الثعالب. لكن الأساليب المعتادة من التسميم والحبس وإطلاق النار لم تنجح. فكان البديل هو تطعيمهم، وذلك وفقا لتقرير في مجلة "ذا أتلانتك" (The Atlantic).
قام الطبيب البيطري فرانز شتيك بتجربة في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1978، بنشر مطعوم الكلب في تجربة ميدانية حقيقية، عبر نشر أكثر من 4050 رأس دجاجة يحتوي على المطعوم على امتداد الشاطئ الشرقي لبحيرة جنيف.
احتوت الرؤوس أيضا على علامة كيميائية -التتراسيكلين- التي يمكن العثور عليها لاحقا في أسنان وعظام الثعالب التي أطلق عليها الصيادون الرصاص. عندما أصبح من الواضح أن الثعالب كانت تأكل الطعم بالفعل، اكتسبت المبادرة المزيد من الاهتمام والمال والجهد. قام الفريق بنشر المزيد من رؤوس الدجاج المزودة بتطعيم الكلب، في الغالب عن طريق رميها على جوانب الطرق والممرات. لمزيد من المناطق النائية، استخدموا طائرات المروحية. من 1979 إلى 1984، كانت رؤوس الدجاج تتساقط في الريف.
كان البرنامج ناجحا. على مدى 4 سنوات، قام الفريق بنشر حوالي 52 ألف طعم، وحيثما سقطت رؤوس الدجاج، اختفى داء الكلب.
في عام 1983، بدأت ألمانيا جهود التطعيم الخاصة بها. بحلول منتصف التسعينيات، شاركت 16 دولة أوروبية. تم تطوير لقاحات جديدة وأكثر فعالية. أصبحت الطائرات أكثر شيوعا.
لاحقا تم استعمال أقراص من الأسماك أو الدهون التي تنتج بكميات كبيرة بدل رؤوس الدجاج.
نجح ذلك في خفض عداد الثعالب المسعورة بنسبة 90% في غضون عقد من الزمن. شهدت سويسرا، البلد الذي بدأت فيه هذه الإستراتيجية زيادة في حالات كلب الثعالب في تسعينيات القرن الماضي بسبب تزايد أعداد الثعالب، لكنهم تمكنوا من التغلب عليها من خلال مضاعفة كثافة الطعوم واستهداف أوكار الثعالب على وجه التحديد لتلقيح أشبال الأطفال حديثي الولادة. وبحلول عام 1996، كانت خالية من داء الكلب. بحلول ذلك الوقت، كانت سويسرا قد نشرت 2.8 مليون طعم في البلد، كما نشرت أوروبا ككل حوالي 74 مليون طعم.
إرشادات سريعة حول التعامل مع خطر داء الكلب
يجب التوجه إلى الطوارئ مباشرة بعد العض -أو اللعق من قبل الحيوان للفم أو العين أو للجرح- وهناك سيبدأ الطبيب مباشرة في إعطاء المصاب لقاح الكلب الذي تتراوح مدته عادة إلى فترة أسبوعين، وهي الطريقة الوحيدة لإنقاذ المصاب من الموت.
كما يجب التوجه إلى الطوارئ في حالة شك الشخص بأنه تعرض للعض دون أن يعرف، أو تعرض أحد أفراد الأسرة للعض أو اللعق، أو تعرض أحد الأشخاص العاجزين عن التعبير كالرضع أو المعاقين أو الكبار في السن أو المرضى العقليين للعض أو اللعق أو العدوى، إذ لا يستطيع هؤلاء شرح ما حدث لهم أو الشكوى ولذلك قد يصابون بالكلب دون أن يعرفوا أو يعبروا لأحد مما يؤدي إلى موتهم. ولذلك يجب مراقبتهم جيدا ومتابعتهم وأخذهم إلى الطوارئ عند وجود أدنى شك في تعرضهم للفيروس القاتل.
الوقاية من داء الكَلَب
اِحمِ بيتك من الخفافيش وأغلق النوافذ وأصلح الشقوق الصغيرة.
انتبه إلى الأشخاص الذين لا يستطيعون التعبير، مثل الرضع والكبار في السن العاجزين والمعاقين.
احم أفراد أسرتك، ويشمل ذلك البالغين والأطفال الذين يستطيعون التواصل والتعبير، والرضع والعاجزين والمعاقين الذين لا يستطيعون التعبير عما يصيبهم.
إذا شككت في تعرض أي فرد من الأسرة إلى العض أو اللعق أو العدوى فخذه مباشرة إلى عيادة الطوارئ.
إذا استيقظت صباحا ووجدت خفاشا في الغرفة، فاعتبر أنه قد عضك واذهب مباشرة إلى عيادة الطوارئ، وهذا الكلام ينطبق على جميع أفراد العائلة حتى لو لم يشتكوا أو يقولوا إنهم تعرضوا للعض. لا تتهاون فالمرض قاتل.
ابتعد عن الحيوانات البرية والكلاب الضالة، إذ عادة ما تكون الكلاب الضالة المصابة بالكلب عدائية جدا تهاجم البشر، أو ودودة تتقرب منهم، وفي الحالتين فهي تقترب من البشر، ويعتقد أن هذه إحدى الآليات التي يغير بها الفيروس سلوك ضحيته لتعزيز فرصه بالانتقال إلى ضحايا آخرين، إذ إن الكلاب الضالة والحيوانات البرية عادة ما تخاف من البشر وتبتعد عنهم.
إذا كان لديك حيوان أليف في المنزل فعليك اتباع إرشادات محددة لحمايته وحمايتك، وذلك عبر إعطائه لقاح الكلب والحفاظ عليه داخل المنزل في مكان مغلق حتى لا يتعرض للعض من حيوانات أخرى.
إذا كنت ستسافر إلى مناطق يرتفع فيها خطر داء الكلب فاستشر طبيبك عن أخذك لقاح الكلب للوقاية قبل السفر. "الجزيرة"