هل سمعتم يوما بـ"طواحين الهواء"؟ لا بل الأصح ان نسأل، هل سمعتم يوما بمحاربي "طواحين الهواء"؟
في حال كانت اجابتكم كلا، اليكم هذا العرض السريع عن الهواء والطواحين والمحاربين.
منذ ما قبل الطائف، رفع جزء من المسيحيين لواء تعزيز الوجود وتأمين الحضور والبحث عن المزيد من المكاسب، تحت شعار الحفاظ على البعد المسيحي في لبنان كعلامة فارقة في هذا الشرق المتألم دائما وأبدا.
ومنذ ذاك الوقت بدأت الحرب الضروس مع "طواحين الهواء"، فالطواحين دارت ومعها دارت الشعارات والبيانات والخطابات الموجهة الى "شعب عظيم" فكان الالغاء وحربه نصيبه والتشتت والضياع مصيره.
ومنذ ذاك الوقت تصارع الأخوة قبل ان يصلوا الى"أوعى خيك" ليستأنفوا بعده "لعبة الصراع"، كما تصارعت كل الطوائف بحثا عن تأكيد الحضور، متناسية ان لبنان لا يمكن ان يكون، كما هو بهويته الحقيقية، ولا يمكن ان يستمر، اذا تم تغييب او ظلم أو استبعاد اي طائفة من طوائفه الـ18.
ومنذ ذاك الوقت حارب الجميع "طواحين الهواء" فاستمرت هي بدورانها المعتاد وتحوّل الجميع الى ضحايا قرروا في يوم من الأيام ان يوقفوا العدّ، علهم يوقفون معه الحروب الخاسرة التي دمرّت وشردت وقتلت وأفرغت البلاد من عبادها وناسها وأهلها.
تجربة مريرة عاشتها مختلف الطوائف اللبنانية لاسيما المسيحية منها والمارونية بشكل أخص، فبات الحديث رائجا عما يسمى بـ"الاحباط المسيحي" الذي يعود بجوهره الى التقاتل الذي عرفته الصفوف المسيحية الداخلية والأمثلة في هذا الاطار كثيرة وغير مخفية على أحد.
لكن هذه الامثلة على الرغم من دمويتها في الكثير من الاحيان، يتجاهلها البعض الذي يريد بعد أكثر من 30 سنة ان يعيد التجربة نفسها، معتمدا سياسة الكراهية والكيدية ومحاولة خلق انقسامات عمودية مبنية على أساس طائفي تارة وأساس سياسي تارة اخرى.
فبصريح العبارة، ما شهده عهد الرئيس ميشال عون، الذي لا يمكن لأي عاقل ان ينفي بعده التمثيلي ووجوده كقائد من صلب المساحة الوطنية والمسيحية، يضعنا امام تساؤل كبير حول مدى قدرة البعض على قراءة التاريخ والتعلم من تجاربه ووقائعه.
فالتاريخ والجغرافيا في هذا البلد يحتمان على الجميع ان يختبروا " العيش الواحد" القادر ان يجعلهم نموذجيا حضاريا فريدا ومتميزا ان قاربوه بعقول منفتحة ونيرة وذكية. أما محاولة مقاربة الأمور من بابها الضيق فلن تؤدي الا الى المزيد من الخسائر عند مختلف مكونات هذا البلد.
وفي هذا الاطار، ظهرت الى العلن في الأيام الأخيرة سياسة النكايات والعناد والقاء التهم ومحاولة التدخل بالشاردة والواردة التي ينتهجها "التيار الوطني الحرّ" وذلك من خلال البيانات المتالية، والمرفقة مع كم من التعاطي غير المنطقي وغير المحبب مع الشريك الآخر في هذا الوطن، وبشكل خاص مع الطائفة السنية، التي تعتبر رئاسة الحكومة المركز الأول في البلاد الذي يعبّر عن وجدانها وكينونتها. بعد دار الافتاء ومفتي الجمهورية.
وليس خفيا على احد ان محاولة فرض الشروط وتحسين الظروف التي يقوم بها رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل في هذه المرحلة، والتي يرى البعض انها حق مشروع له بصفته لاعبا سياسيا أساسيا نتيجة لحضوره وحضور تياره النيابي، هي نفسها كان قد اعتمدها في تعاطيه مع مختلف الأحزاب المسيحية فحوّل العلاقة مع "الكتائب" و"القوات" و"المرده" بالاضافة الى مجموعة كبيرة من المستقلين الى علاقة فيها الكثير من الالغاء بهدف ابعاد الجميع واعلاء مصلحة الفرد.
وعلى الخطى عينها تسير العلاقة اليوم مع اي طرف آخر من اي طائفة أو حزب كان، يرفض الخضوع لقانون "ما خلونا" العجيب ويحاول الابتعاد عن كل ما يضيف عذابا الى عذابات اللبنانيين من مشاريع فاشلة أو وهمية او غير قابلة للحياة والتطبيق.
وفي هذا السياق، يرى البعض ان ما ينتهجه "التيار الوطني الحر" ما هو الا محاولة لاعادة تصويب الحياة السياسية في البلاد وذلك عبر عودة المسيحيين الى صلب القرار في مختلف المستويات.
وهنا لا بد من طرح علامات الاستفهام التالية:
بعد التجارب المتعددة، هل أنصفت الحروب المسلحة والعبثية والكلامية المسيحيين يوما؟
هل افضت الاعداد النيابية المتراكمة والوزارية المتزايدة الى تحصيل حقوق المسيحيين فعلا؟
هل استطاع العهد القوي، كما أطلق عليه منذ بدايته، ان يوقف نزيف الهجرة عند الشباب المسيحي؟
هل أدت معاداة الشريك الآخر في الوطن الى انتاج حكومات فاعلة وقادرة على اتخاذ القرارات؟
وبعد كل التجارب المريرة، هل من مواطن لبناني واحد ما زال مقتنعا ان الأحقاد والحروب المتنقلة قادرة ان تؤمن حقوقه في الكهرباء والمسكن والمأكل والطبابة والتعليم وغيرها؟
وأخيرا وبعيدا عن طرح علامات الاستفهام، نعود الى "طواحين الهواء" ومعها الى هذه الأيام التي يكثر فيها الكلام وتقل فيها الاعمال ويقع المواطن ضحية نزاعات وصلاحيات، حتى ان وجدت، لا يمكن لها ان تؤمن رغيف الخبز المحروم منه المسلم كما المسيحي.