بالرغم من تزاحم الملفات داخل الحياة السياسية اللبنانية، من تشكيل الحكومة الى صندوق النقد مرورا بالواقع المعيشي والاقتصادي، الا ان كلا من استحقاق ترسيم الحدود البحرية وتبعاته واستحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية يعتبران الاكثر اهمية وقد يعتبران ايضا الاكثر مصيريةً. ينتظر اللبنانيون مصير المفاوضات والوساطات المتعلقة بترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، لان ما يستتبعها قد يؤدي، إما الى فتح ابواب التصعيد او الحل النهائي.
لكن عمليا هناك ترابط عضوي بين انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومصير المفاوضات بين لبنان واسرائيل. واذا كانت النهاية الايجابية في الاستحقاق الاول ستفرض نهاية مماثلة في الثاني، فإن السلبية في ملف الترسيم ستؤدي الى تطيير الاستحقاق بشكل كامل حتى لو لم ترغب جميع القوى السياسية بذلك.
وبحسب مصادر مطلعة فإن الوصول الى تسوية في موضوع ترسيم الحدود البحرية سيعني حتما تفرغ القوى السياسية للوصول الى تهدئة داخلية لادارة المرحلة المقبلة التي ستحمل معها "الانقاذ". والانقاذ هنا لا يرتبط بالبلد والواقع الاقتصادي فحسب بل بالقوى السياسية التي ستعيد انتاج نفسها وتعيد ضخ الامل والحياة بالنظام السياسي مستندة على الموارد المالية المتوقعة من انتاج الغاز.
ستعمل القوى السياسية على ترتيب البيت الداخلي ليكون مؤهلا للمرحلة الجديدة، ولكي تكون جديرة قدر الامكان بادارة الواقع المستجد وللخروج من الازمة الحالية، وعليه فإن انتخاب رئيس جمهورية جديد، في اطار من التوافق العام، سيكون احدى الخطوات الاساسية التي سيتم اتباعها بعد التسوية النفطية.
وترى المصادر أن ربط الاستحقاقين ببعضهما البعض لازمة لا مفر منها، لانه، في حال حصول تسوية حدودية مرتبطة بموضوع الغاز، فهذا يعني ان أجواء تسوية اقليمية ودولية ستكون سائدة، وان الرغبة المشتركة لجميع الدول المعنية بالملف اللبناني هي التهدئة والتسوية واعادة الحياة الى لبنان. بمعنى اخر ، كيف تكون الارادة الدولية والاقليمية تسووية بمسألة استراتيجية كمسألة الغاز ولا تكون تسووية بإستحقاق انتخاب الرئيس؟
وتضيف المصادر ان احدى اهم اسباب عرقلة التسوية في لبنان كانت محاولة الوصول الى تسوية سريعة في ملف الترسيم، وعليه فإن حل هذا الملف سيفقد الدول التي كانت ترغب بالضغط على لبنان لدفعه الى تسوية حدودية، السبب الذي يحول دون البدء بعملية الانقاذ التي، وبالمناسبة، تشكل رغبة اوروبية جدية.
ادخال لبنان في مرحلة سياسية جديدة ، بغض النظر عن شكلها ومدتها وتبعاتها لا يمكن ان يبدأ قبل معرفة نتيجة المفاوضات غير المباشرة بين بيروت وتل ابيب وقبل اتمام الاستحقاق الرئاسي الذي سيكون اولى خطوات التغيير، ايجابيا كان ام سلبيا.وعليه فإن الاسابيع المقبلة ستكون حاسمة لبنانيا بعد سنوات الانهيار.