رغم أنّهم لم يتّحدوا رسميًا في كتلة واحدة، لا يزال نواب "التغيير" الـ13 الذين أفرزتهم الانتخابات النيابية الأخيرة، قبلة أنظار الجميع، فأحزاب السلطة تضعهم في "اختبارات دائمة"، ولا توفّر فرصة إلا وتستغلّها لـ"التنقير" عليهم، فيما قوى المعارضة تجاوزت شعار "كلن يعني كلن" الذي يتمسّكون به، لتصنّفهم ضمن "جبهتها"، في وقتٍ أضحى واضحًا أنّهم "مشتّتون"، لا "جامع" بينهم سوى مبدأ "التغيير" غير المترجَم على الأرض.
وفيما يستعدّ نواب "التغيير" لـ"خلوة" يفترض أن يعقدوها أخيرًا الجمعة، قد يكون الهدف منها "حفظ ماء الوجه"، والتوصّل إلى "حدّ أدنى" من التوافق، يبدو واضحًا برأي كثيرين أنّ انقسامهم بات أمرًا واقعًا لا مفرّ منه، وهو ما تجلّى مؤخرًا في الموقف من "اللقاء التنسيقي المعارض" الذي حضره قسم منهم، ولم يكتفِ القسم الآخر بالغياب، بل أصرّوا على تبرير المقاطعة بأسباب "مبدئية"، حملت في الجوهر "إدانة" للحاضرين، وبينهم "تغييريون".
إلا أنّ هذا الانقسام قد يجد "استثناءات" وفق ما يقول البعض، حيث يُنقَل عن نواب "التغيير" امتعاضهم من رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي ذهب فيه لحدّ "تخوين" أيّ نائب في المعارضة يعرقل الاتفاق على مرشح رئاسي موحّد، علمًا أنّ هناك من يؤكد أنّ بعض هؤلاء النواب لا يتقبّلون التموضع في الاتجاه نفسه مع جعجع، الذي لطالما كان، برأيهم، جزءًا من "كلن يعني كلن" الذين انتفض الشارع ضدّهم في العام 2019.
على خطى "حزب الله"!
قد يكون البيان الذي صدر عن حزب "لنا" الذي تُحسَب عليه النائبة "التغييرية" حليمة القعقور أكثر من لافِت، حيث تضمّن هجومًا "عنيفًا" على جعجع، حتى إنّ البعض اعتبر أنّه "تفوّق" في اللهجة التي استخدمها على بيانات "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، خصوصًا لجهة توصيف رئيس حزب "القوات" بـ"الذكوري"، واعتبار أنّه "يدّعي سيادة منتقصة"، فضلاً عن تذكيره بأنذ "تاريخه شاهد على تميّزه" بصفات "الخائن" و"المتخاذل" التي يرميها على غيره.
وإذا كان بيان "لنا"، رغم حدّته، لم يفاجئ كثيرين، باعتبار أنّ النائبة القعقور منذ وصولها إلى السدّة البرلمانية كانت أكثر "تشدّدًا" من زملائها، لجهة رفض "التقاطع" مع أيّ من قوى المنظومة، فإنّ "الصادم" برأي البعض كان تعليق النائب مارك ضو، المشارك في اللقاء التنسيقي والمرحّب بـ"وحدة المعارضة"، حين اختار "التصدّي" لكلام جعجع من مجلس النواب، وتشبيهه بخطاب "حزب الله"، باللغة "التخوينية" التي يحملها وينطوي عليها.
ومع أنّ معظم النواب "التغييريين" الآخرين لاذوا بالصمت، فإنّ أجواءهم تؤكد "استياءهم" من خطاب جعجع الأخير، خصوصًا أنّه كان واضحًا فيه أنه يقصدهم بالتحديد، بعد "استهداف متكرر" لهم منذ انتخابهم، وكأنّ "الحكيم" يريد من نواب "التغيير" أن ينسوا ببساطة أنّ جعجع ليس "طارئًا" على الحياة السياسية، وأنه شارك في الحكومات المتعاقبة قبل "ثورة 17 تشرين"، ويريدهم أن "يبصموا" على خياراته، من دون احترام حقّ المعارضة البديهي في "التنوّع".
الندم لا ينفع!
هكذا، يفسّر كثيرون "امتعاض" نواب "التغيير" من خطاب جعجع الأخير، وإن بدا أقلّ وطأة من "الاستنفار العوني" الذي أحاط به، وغطّى على كلّ رأي آخر، على أنّه رفض لتبنّي لغة "التخوين" التي يفترض أن يكون "الحكيم" من معارضيها، ولو أنّ البعض يرى في المقابل أنّ هذا الموضوع ليس سوى "ذريعة" يتلطّى خلفها "التغييريون"، الذين "يشترط" بعضهم عدم الجلوس مع جعجع على طاولة واحدة، مهما كان الثمن، وأيًا كانت الظروف.
لكن، بمعزل عن وجود قوى "تغييرية" لا تريد وضع يدها بيد جعجع من الأساس، يؤكد المحسوبون على الأخير أنّ كلامه في مؤتمره الصحافي الأخير "حُوّر" عن سوء نيّة، فالهدف منه كما كان واضحًا من سياق المؤتمر لم يكن "تخوين" أيّ نائب معارض، بل "تحفيز" قوى المعارضة بكلّ أطيافها، على الاتحاد، طالما أنّ أهدافها واحدة، وذلك لمنع وصول مرشح "الممانعة" إلى بعبدا، لأنّ "الندم" عندها "لن ينفع"، كما يقول هؤلاء.
وينفي المحسوبون على "القوات" أن تكون العلاقات "مقطوعة" مع قوى "التغيير"، أو أن يكون هناك أي موقف مسبق إزاءهم، أقلّه من جهة "الحكيم"، لكنّهم يشيرون إلى أنّ "مقاربة" الأخير تقوم على عدم التعامل معهم بوصفهم "كتلة واحدة متجانسة"، باعتبار أنّه أصبح واضحًا أنّ لكل منهم رأيه وأفكاره وقناعاته، وهو ما يعقّد مسألة "التنسيق" معهم، علمًا أنّ هناك "قنوات تواصل" مفتوحة مع بعضهم، وفق ما يكشف هؤلاء، متحدّثين عن ضرورة "تطويرها".
يقول البعض إنّ خطاب جعجع الأخير، كما استنفر "العونيّين"، استفزّ "التغييريين"، ولا سيما من يرفضون تصنيفهم في مكان واحد إلى جانب "القوات" وغيرها من القوى التي لطالما كانت جزءًا من السلطة. يتحدّث "التغييريون" عن "تنوّع" على جعجع احترامه، فيما يدافع الأخير عن نفسه باعتبار أنّ مشروع "وحدة المعارضة" هو الأهمّ الآن، مشروع يبدو واضحًا أنّ الرهان عليه غير مجدٍ، بوصفه "مهمّة مستحيلة"!