دخلَ ملف المحروقات، اليوم الإثنين، مرحلة جديدةً مع تقليص نسبة الدّعم على البنزين بنسبةٍ كبيرة. فقبل أيام، كان دعم السعر عبر منصة "صيرفة" يصل إلى 70% في حين أن نسبة السعر المرتبطة بدولار السوق الموازية كانت 30%.
أمّا اليوم، فإن النسبة تبدلت وانقلبت رأساً على عقب، فبات 45% من سعر البنزين يعتمدُ على سعر دولار السوق الموازية في حين أن 55% من السعر يرتبطُ مباشرة بسعر الدولار على منصّة "صيرفة".
الخطوة التي اتخذها البنك المركزي ارتبطت بشقّين: الأول وهو تقليص كلّ مجالات الدعم على المحروقات باعتبار أنه لم يعد هناك قدرة على الاستمرار بذلك. أما الشق الثاني فيرتبط بمخاوف من تبدّد أكبر للدولارات التي يتمّ استخدامها في هذا القطاع، إما بسبب عمليات تهريبٍ من هنا أو احتكارٍ من هناك.
وإزاء هذه المشهديّة، اتخذ مصرف لبنان قراراً بتنفيذ خطوة رفع الدّعم بشكل تدريجي من خلال تبديل آلية التسعير، إلا أن الشرط الأساسي هنا يكمن في إراحة الشركات المستوردة بعض الشيء، في حين أن زيادة نسبة الدولار تُساهم إلى حدّ كبير في توفير العملة الصّعبة للشركات.
"دولرة البنزين" هي الحل؟
حالياً، فإن المعلومات الأخيرة تكشف أن هناك اتجاهاً جدّياً نحو الدّولرة، وتشيرُ مصادر في قطاع المحروقات لـ"لبنان24" إلى أن "آلية تسعير البنزين ستتغير خلال الأيام المُقبلة"، وتضيف: "من المُتوقع أن تصبح نسبة دعم البنزين عبر صيرفة 30% في حين أن 70% من السعر سيرتبطُ مباشرة بالسوق الموازية".
فعلياً، فإنه بالنسبة لبعض الخبراء، تعتبرُ خطوة "دولرة" البنزين أساسية في ظلّ الأزمة القائمة، إذ أنها تُساهم في إرساء استقرارٍ في السوق وتمنع انقطاع مادة المحروقات.
إضافة إلى ذلك، فإن الدّولرة تُساهم في مدّ الشركات النفطية بـ"الفريش دولار"، الأمر الذي يُريح مصرف لبنان من جهة، ويساهم في حصول الشركات على أموالها من جهة أخرى.
وفي السياق، يقول الباحث في معهد دراسات السوق كارابيد فكراجيان لـ"لبنان24" إنّ "قرار دولرة البنزين كان يجب أن يُتخذ منذ زمن ومع بداية الأزمة المالية"، وأضاف: "لو فعل مصرف لبنان ذلك سابقاً لكُنا وفرنا على أنفسنا هدراً كبيراً في الدولارات".
وأضاف: "الدولرة يقصد بها أن البنزين سيرفع الدعم عنه وسيُباع بحسب سعر السوق، ولا شرط أن يُباع بالدولار الفريش. أما الأهم في كل ذلك فهو أنّ الدولرة قد تمهد لتحرير التسعيرة وفتح باب التنافس بين المحطات.. فمن يريد أن يبيع بالدولار فليقم بذلك، ومن يريد البيع بالليرة فليخطُ تلك الخطوة".
وأكمل: "يخلق تحرير السعر تنافساً واضحاً على صعيد الأسعار. حُكماً، يمكن لمحطة أن تبيع البنزين بأقل من غيرها من المحطات، وكل ذلك يصبّ في مصلحة المواطن. واليوم، فإن الدولار الواحد يمكن أن يصنع الفرق في الفاتورة، وهذا الأمرُ يصب في مصلحة المواطن".
ورأى فكراجيان أن حفاظ مصرف لبنان على دولاراته بدل من تبديدها على الدعم هي الخطوة في الاتجاه الصحيح، ولا تؤذي السوق أبداً، بل تفيده بشكل مباشر وقد تساهم في درّ دولارات عليه عبر اتجاهات مُختلفة، وختم: "رفع الدعم خطوة أساسية، تمهيداً لتحرير الأسعار والمواد الأساسية من الأزمات".
هل ستتأثر السوق المُوازية للدّولار؟
عملياً، فإنّ "دولرة البنزين" تثيرُ مخاوف لدى التّجار. فمن جهة، يقال أنّ اعتماد البنزين على الدولار سيعني اندفاعاً لأصحاب المحطّات نحو السوق الموازية لشراء العملة الصعبة بغية تأمين المحروقات. أما من جهة أخرى، فإن معنيين في قطاع النفط كشفوا لـ"لبنان24" أن "سوق المحروقات قد يحتاج يومياً إلى أكثر من 6 مليون دولار يومياً لتأمين البضاعة في حال الدولرة الكاملة، بينما حجم السوق الموازية يترواح بين 7 و 20 مليون دولار".
ما تُظهره الأرقام هو أن الضغط سيتزايد على السوق الموازية، الأمر الذي قد يؤثر على منحى سعر الدولار، لكن هذا الأمر قد لا يتحقق بالنسبة لبعض الخبراء، باعتبار أن الكتلة النقدية من الليرة ستبقى نفسها في السوق، وبالتالي لن يتحقق أي تضخّم، في حين أن الدولار سيتحرّك ضمن السوق في حين أن هناك دولارات أخرى قد تتوفر في حال رُفع الدعم.
بحسب فكراجيان، فإنّ دولرة أسعار المحروقات لن تجعل الضغط كبيراً على السوق ما لم يقم المركزي بزيادة الكتلة النقدية بالليرة، وهو الأمرُ المنفصل كلياً عن الدعم.
في المُحصلة، ما يمكن قوله هو أن الانتظار سيكون سيد الموقف لمراقبة تبعات وتأثيرات الدولرة الكاملة للمحروقات، علماً أن هذا الأمر سينسحبُ أكثر على باقي الأنشطة الاقتصادية التي تتأثر حُكماً بأسعار البنزين وتقلبات سعر الدولار في السوق الموازية.