بعد "الخلوة" التي عقدوها يوم الجمعة الماضي، أعلن نواب "التغيير" توافقهم على ما وصفوها بـ"المبادرة الرئاسية" التي بقيت عناوينها مبهمة، بانتظار إطلاقها مطلع شهر أيلول المقبلة مع بدء المهلة الدستورية، حيث اكتفوا بالحديث عن "مقاربة دستورية وقيمية تؤسس لحاضنة سياسية وشعبية"، تدفع باتجاه انتخاب رئيس "يساهم في إطلاق مسار إنقاذي للبلاد"، وفق ما جاء في البيان المشترك الذي أصدروه.
لم يحدّد النواب في بيانهم المشترك، "مواصفات ومعايير" الرئيس العتيد، الذي سيدعون إلى انتخابه بموجب مبادرتهم هذه، ولم يوضحوا "الآلية التنفيذية" لمبادرتهم في ظلّ اصطفافات المجلس النيابي الحالي، المنقسم على نفسه، بين موالاة غير متفقة في ما بينها على مرشح موحّد، ومعارضات رافضة لمجرد فكرة الالتقاء، علمًا أنّ الانقسامات تطال "التغييريين" أنفسهم، غير الموحّدين في مقاربة ملف الرئاسة أصلاً.
وفيما خرج بعض نواب "التغيير" ليفصّلوا بعد الاجتماع، بعض بنود المبادرة المنتظرة، وإن بدا الأمر أقرب إلى "الاجتهادات الشخصية" في الكثير من جوانبه، فإن علامات استفهام بالجملة تُطرَح حول مآلات هذه المبادرة، ومدى قدرتها على إحداث أيّ "خرق" في المشهد، فهل يفتح "التغييريون" من خلالها "ثغرة في الجدار"، ليكرّسوا أنفسهم "بيضة قبان" في الاستحقاق الرئاسي، أم تكون مجرّد "محاولة إثبات وجود" لا تغني ولا تسمن من جوع؟!
العِبَر في الخواتيم
صحيح أنّ نواب "التغيير" حاولوا من خلال "خلوتهم"، أن يعكسوا صورة "موحّدة" رغم كلّ ما يُحكى عن انقسامات وخلافات، أو بالحدّ الأدنى تفاوت في وجهات النظر بينهم، إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ "المبادرة" غير واضحة المعالم التي أفضت إليها خلوتهم رسمت الكثير من علامات الاستفهام، حول "الأساس" الذي تستند إليه، طالما أنّ النواب الـ13 منقسمون أساسًا في كيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسي، والمعايير التي يفترضونها في الرئيس العتيد.
ولعلّ خير دليل على ذلك، حالة "التشتّت" التي أحدثها اللقاء التنسيقي المعارض في الآونة الأخيرة، والذي قيل إنه يشكّل "نواة" جبهة معارضة جديدة، تحضيرًا لمقاربة موحّدة في الاستحقاق الرئاسي، إذ وجد عدد من "التغييريين" أنفسهم جزءًا من هذا اللقاء، فيما عارضه آخرون لأسباب "مبدئية"، بل إنّ بينهم من هاجموا اللقاء وخلفيّاته وأهدافه، رغم مشاركة زملاء لهم فيه، لم يتوانوا في الدفاع عن أهميته في هذه المرحلة.
مع ذلك، يدعو "التغييريون" لعدم استباق الأحداث، عبر الحكم سلبًا على المبادرة التي يطلقونها، والتي يسعون من خلالها إلى تقريب وجهات النظر، علمًا أنّ هذه المبادرة لم تكتمل بعد، وقد كُلّف النائبان ميشال الدويهي وملحم خلف بالعمل على صياغتها، من أجل التواصل مع باقي النواب والكتل النيابية على أساسها في وقت لاحق، علمًا أنّ الحديث يتركّز حاليًا على "معايير" وفق هؤلاء، على أن تُسقَط الأسماء "المناسبة" عليها في وقت لاحق.
"أقرب" إلى جنبلاط؟!
ومع أن نواب "التغيير" يرفضون الغوص في تفاصيل هذه المبادرة، أو تفصيل "المواصفات" التي يبحثون عنها في الرئيس العتيد، إلا أنّ بعض "الملامح العريضة" لهذه المواصفات بدأت بالظهور من خلال المواقف التي أطلقها بعضهم، وعلى رأسها عدم تبنّيهم لنظرية "الرئيس القوي" بصيغة "العهد الحالي"، فالمطلوب رئيس قادر على إطلاق مسار "إنقاذي" للبلاد، وبالتالي أن يكون قريبًا من الجميع، لا محسوبًا على فريق دون آخر.
بهذا المعنى، يرى البعض أن "التغييريين" يتقاطعون مع المواصفات التي وضعها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي يطالب برئيس يحمل "برنامجًا"، على حساب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي يدعو صراحةً إلى رئيس "يتحدّى" فريقي "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، وهو ما لا يتبنّاه "التغييريون" الذين يقول بعضهم صراحة إن "رئيس المواجهة" لن يكون "الخيار الأمثل".
يرفض "التغييريون" وضعهم في خانة جنبلاط أو جعجع أو غيرهما من المسؤولين السياسيين، ولو تقاطعوا مع أحدهم في جانب من الجوانب، فهم "يحيّدون" أنفسهم عن المنظومة السياسية بالمطلق، وبكل عناصرها ورموزها، ولكنّهم مستعدّون، وفق ما يقولون، لوضع أيديهم بأيدي من سيتلقّفون مبادرتهم، لأنّ المطلوب ليس المزايدة ولا التحدي، بقدر ما هو البناء على "المشتركات" من أجل إنجاز الاستحقاق بكلّ مسؤولية كما ينتظر منهم الناس.
قد لا يكون الحديث عن "مبادرة" لـ"التغييريين" مريحًا لرئيس حزب "القوات" الذي يدرك أنّ بعض هؤلاء لن يتردّدوا في وضع "الفيتو" لا على اسمه فحسب، بل على أيّ اسم "يباركه"، لكن ثمّة من يسأل أيضًا عن مدى جدية "المبادرة الرئاسية" لهؤلاء، وهم غير القادرين على إثبات انتمائهم إلى تكتل واحد، وإلى أي مدى سيكون لمثل هذه المبادرة "فرص حقيقية" على أرض الواقع في نهاية المطاف!