على مسافة شهرين من إنتهاء العهد يبدو أن "المعمودية" التي يخشاها الجميع إنطلقت لتضاعف من حجم الأزمات الحالية التي دخلت مرحلة حساسة جدا، واللاحقة التي تهدد النظام والدستور والاستقرار العام في البلاد.
بالأمس، تم الاعلان عن قرب نفاد الفيول في كل أرجاء الجمهورية اللبنانية، ما يهدد كل مؤسسات الدولة بالتعطيل والبلاد بالعتمة الكاملة واللبنانيين بمزيد من المعاناة، ما دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى الايعاز لوزير الطاقة إعطاء الموافقة لكهرباء لبنان باستخدام جزء من الفيول "غرايد ب" المخزّن في معمليّ الجية والذوق والذي يقدر بـ40 الف طن بهدف تفادي هذا التعطيل.
الى ذلك، تستمر العدالة أسيرة إعتكاف القضاة، والقطاع العام مهدد بالعودة الى الاضراب، والشلل يطال كل أجهزة الدولة، فيما الاعتصامات والتحركات تجتاح المناطق للمطالبة بأبسط مقومات الحياة التي يبدو أن العهد "القوي" قرر قبل إغلاق آخر صفحاته السوداء أن يذيق اللبنانيين شتى صنوف العذاب.
أمام كل ذلك، يتفنن فريق العهد برئاسة جبران باسيل في تعطيل تشكيل الحكومة التي بات واضحا أنها إما أن تكون على قياسه وبشروطه وتساهم في تمديد نفوذه الى العهد الجديد، أو لا تكون تمهيدا للدخول في "حفلة الجنون" الدستورية التي من شأنها أن تودي بالبلاد والعباد الى ما لا يُحمد عقباه.
ثمة قناعة لدى الجميع بأن الايجابية المفرطة التي يتعاطى بها الرئيس ميقاتي مع الرئيس عون لم تعد تجدي نفعا، خصوصا أن رئيس الجمهورية يضع مصلحة صهره باسيل على طاولة البحث قبل أي مصلحة أخرى، وكلما حاول ميقاتي تلبية مطالبه بما لا يتناقض مع الثوابت والمسلمات التي ينطلق منها، كلما فرض شروطا جديدة تُنتج عراقيل إضافية، بما يشبه تعجيز الرئيس المكلف الذي يصر على إستكمال مهمته الدستورية التي بدأها من اليوم الثاني للاستشارات النيابية غير الملزمة في 29 حزيران الفائت حتى النهاية، محاولا إيجاد المفاتيح للأبواب التي يسارع باسيل متلطيا بالرئيس عون الى إقفالها بإحكام بوجه التأليف.
لم يعد يختلف إثنان على أن عون وباسيل لا يرغبان بتشكيل حكومة قبل نهاية العهد، خصوصا أنهما باتا على قناعة بأن ميقاتي يرفض تقديم الهدايا السياسية، وهو لن يشكل إلا حكومة تشبهه تكون قادرة على العمل والانتاج وليس “حصان طروادة” يؤمن المصالح البرتقالية.
وربما لم يعد من مصلحة عون وباسيل تسليم الصلاحيات الى حكومة كاملة الأوصاف، خصوصا في ظل تراجع حظوظ باسيل الرئاسية الى حدودها الدنيا وعدم قدرة عون على تعبيد طريق بعبدا أمامه، ما يعني أن وجود حكومة كاملة الأوصاف وإنتقال الصلاحيات إليها من دون “فتنة دستورية” سيؤدي الى عودة عون الى دارته في الرابية كرئيس سابق، وسيضعف باسيل الذي سيفقد تأثيره السياسي، لذلك فإن عون وباسيل يسعيان الى قلب الطاولة مع إنتهاء العهد إستنادا لهرطقات دستورية تشكل إعتداء على إتفاق الطائف، أملا في أن تؤدي التسويات الى إبقاء باسيل ضمن المعادلة أو تمديد عمره السياسي.
تشير مصادر سياسية مواكبة، الى أن سلوك فريق العهد بات مفضوحا، وبالتالي فإن إستدعاء الزوار الى قصر بعبدا لنقل حرص رئيس الجمهورية على تشكيل الحكومة ومنع الفراغ، لم يعد ينطلي على أحد، خصوصا أن اللبنانيين بكل مكوناتهم باتوا على قناعة بأن عون يسعى في أيامه الأخيرة الى بسط سيطرة باسيل على القرار الحكومي، وأن لا حكومة خارج هذه السيطرة!..