أكثر من 6 أشهر مضت على اندلاع الأزمة الروسية ـ الأوكرانية والتي يبدو ان لا أفق واضحا لنهايتها ولا يمكن استنتاج ما ستؤول إليه نتائجها في نهاية المطاف، الا ان الثابت الوحيد انها أثرت ليس فقط على الاقتصاد الأوروبي بل على العالم بأسره.
أضرّت تبعات هذه الحرب بالعديد من البلدان، وثمة توقعات بأن تكون الخسائر الاقتصادية لها مدمرة في بعض أجزاء العالم بحلول نهاية العام 2022.
وإلى جانب أزمة القمح والنفط والغاز التي خلفتها هذه الأزمة وارتفاع أسعار السلع عالمياً إضافة إلى التضخم الحاصل، دخل اليورو على خط الأزمة، فقد تدنى سعره أمس الإثنين عن 0.99 دولارا وذلك بعد إعلان مجموعة "غازبروم" الروسية يوم الجمعة الماضي وقف إمدادات الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم" إلى أجل غير مسمى، مُسجلاً أدنى مستوى له منذ كانون الأول 2002 ومواصلا منحاه التنازلي المستمر منذ مطلع السنة في مقابل العملة الأميركية.
فكيف سيؤثر ما يحصل في القارة "العجوز" اقتصادياً على لبنان الغارق أصلا بأزماته؟ الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة اعتبر ان "هبوط اليورو لأدنى مستوى منذ 20 سنة وتسجيله رقم 0.99 مقابل الدولار ظاهرة لا بد من التوقف عندها"، مُضيفاً: "هذه القارة التي تحتوي على 500 مليون نسمة والتي تتواجد فيها "الصناعات العملاقة" من شركات طائرات وصناعة سيارات يبدو أنها بدأت تدفع ثمن وجود أنظمة ديموقراطية فيها".
وقال علامة في حديث لـ "لبنان 24": "أوروبا كانت محور العالم ومرت بظروف غير اعتيادية بدءا من الحرب العالمية الأولى والثانية ثم التحوّلات التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية واستمرت تكافح حتى قيام الاتحاد الأوروبي في العام 2000 واستعمال اليورو كعملة موحدة تعكس قوة هذه القارة ومكانتها اقتصاديا إلى ان بدأت منذ فترة تظهر وكأنها قارة عجوز تترنح تحت عبء المصائب التي تضربها من جائحة كورونا مرورا بالأزمات الاقتصادية التي ضربت بعض الدول الأوروبية وخروج بريطانيا من "البريكست" وصولا إلى الحرب الروسية ـ الأوكرانية".
وأشار علامة إلى ان "ما تخفيه الحرب الروسية ـ الأوكرانية هو بكل بساطة صراع أنظمة أو محاور في أوروبا ما بين أوكرانيا التي تريد الذهاب إلى مفهوم الديموقراطية والتحرر وروسيا التي ما زالت تحافظ على النظام الاقتصادي الموّجه نوعا ما الأمر الذي جعل من أوروبا تدفع الثمن نتيجة اتكالها بمرحلة سابقة على إمدادات الغاز والمحروقات من المحيط الروسي وصولا إلى أوكرانيا".
ورأى ان "ظهور مُنافسين كثر لأوروبا من أميركا إلى الصين والهند وباكستان ودخولهم مجال الصناعات العملاقة والتكنولوجية المتطورة بدأوا ينافسونها بشكل كبير وهذا الأمر أثّر على قوة متانة عملتها وبدأ يظهر التخبط الحاصل".
ارتفاع أسعار النفط
ولفت علامة إلى انه "لا يوجد في أوروبا المخزون الكافي من النفط والغاز الذي يكفي حاجتها وهي اليوم تدفع ثمن فاتورة الطاقة الهائلة ولاسيما بعد دخولها في الـ G20 من خلال معاهدات الحفاظ على البيئة والطاقة المُستدامة ولم يتم إيجاد حتى الآن البديل عن الطاقة المُستدامة غير النفط".
ولفت إلى ان "فرنسا على سبيل المثال تحاول إعادة تشغيل نحو 70 مفاعلا نوويا لانتاج الطاقة من خلال خطة سريعة تبدأ في أيلول الحالي وحتى شباط المقبل، في حين ان المانيا ستُعيد تفعيل معامل الطاقة على الفحم الحجري على الرغم مما يحمله ذلك من ضرر بيئي"، وأضاف: "أوروبا تعود إلى بدائل للطاقة كلفتها أعلى وهذا الأمر سيجعل الكلفة التشغيلية مُرتفعة ما سينعكس على الأسعار وإلى مزيد من التضخم".
واعتبر علامة انه "من الصعب في ظل ما يحصل في العالم اليوم ان نرى أوروبا تطل من جديد على المسرح العالمي بتطورات إيجابية ولكن أقصى ما يمكن ان تفعله الآن هو ان تحافظ على وضعها الاقتصادي الحالي".
انعكاسات الأزمة على لبنان
وأكد علامة ان تداعيات الأزمة في أوروبا بالتأكيد ستنعكس على لبنان ولكن ليس بنسبة كبيرة، مشيراً إلى ان "لبنان هو الساحة الوحيدة في الشرق الأوسط الذي بقي متنفساً لأوروبا لذا نرى الاهتمام الفرنسي به ولكن هذا التأثير لن يكون كبيرا لأن لبنان يعاني أصلا من وضع اقتصادي خانق".
وأوضح ان "ما تعيشه أوروبا اقتصاديا سيؤثر على المغتربين اللبنانيين الذين يعيشون هناك حيث ستزداد الأعباء المعيشية عليهم وبالتالي ستخف تحويلاتهم إلى لبنان".
وأشار علامة إلى ان "معظم المنظمات الدولية الداعمة للنازحين السوريين إضافة إلى المنظمات غير الحكومية التي تحصل على دعم أوروبي قد تتأثر بالأزمة"، "كما ان البرامج التي تم إعلانها للبنان عبر الأمم المتحدة مثل برامج دعم العائلات الأكثر فقرا والطلاب قد تخف تدريجيا وبالتالي هذا الأمر سيؤثر على الواقع اللبناني".
علما ان تحويلات المغتربين شكلت بمثابة "اقتصاد رديف" في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان وهي خشبة خلاص لعدد كبير من العائلات ولطالما كانت في السابق محركاً أساسياً للدورة الاقتصادية.