بمؤتمر رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، بعد كلام رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، يمكننا القول: "إكتمل النقل بالزعرور".
جمهور "القوات" والذين يؤيدونهم رأوا في كلام "الحكيم" تصويبًا للمسار الإنحداري، الذي تعيشه البلاد منذ ست سنوات حتى اليوم، ويعتبرون أنه وضع إصبعه على الجرح اللبناني النازف، إذ أتى توصيفه لعهد ميشال عون"حفرًا وتنزيلًا"، فأصاب في كثير من النقاط التي أثارها، والتي أثارت ردود فعل متباينة من قبل جمهور "التيار"، ومعهم "الجمهور الممانع"، الذين لم يروا في كلام جعجع سوى المزيد من طمس الحقائق والتشّفي.
هذا السجال "القواتي" – "العوني – الباسيلي" ليس جديدًا أو طارئًا. فعمره عشرات السنين، تخللته هُدَنٌ متقطعة لم تصمد طويلًا. فحكاية "أوعى خيّك" كانت "حلمًا" عاشته الساحة المسيحية بكل تلاوينها. والدليل أن هذا "الحلم" سقط عند أول إمتحان، يوم لم تتلاقَ المصالح.
فبعد كلام جعجع العالي السقف وردّ باسيل الناري نستطيع القول إن أكبر كتلتين مسيحيتين سوف تدخلان في "حرب" جديدة على مواقع التواصل الإجتماعي أين منها حرب "داحس والغبراء".
لهذا ناسه. ولذاك جمهوره. ناس الأول يؤكدون ويجزمون أن ما قاله واحد في المئة مما يجب أن يُقال في حق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي في عهده كان الإنهيار الكبير، الذي لم يشهده لبنان منذ إعلانه كبيرًا.
أمّا جمهور الثاني فلم ولن يقصرّوا في إغداق سيل من التوصيفات على جعجع، الذين يعتبرونه أن"من كان بيته من زجاج لا يرشق الآخرين بالحجارة".
أمّا المسيحيون الآخرون، الذين هم لا مع هذا ولا مع ذاك، فيرون في هذا السجال تفريغًا ممنهجًا للمجتمع المسيحي من قيمه الدينية والأخلاقية والسلوكية.
فهذه السجالات شبيهة إلى حدّ كبير بالسجالات العقيمة التي أدّت قبل مئات السنين إلى سقوط القسطنطينية، ما يعني أن مآل هذه المماحكات ستقود حتمًا إلى وقوع البلاد في المحظور. وقد يكون هذا الوقوع تمهيديًا أمام سقوط أسوار "القسطنطينية " أو "خراب البصرة"، لأن الآتي سيكون أدهى مما نعيشه اليوم، وأن تداعياته الخطيرة ستوصل البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه.
فبين "حانا جعجع" و"مانا باسيل"، وما بينهما، سيضيع المعنى الحقيقي لهذا الوطن الصغير، الذي لم يصفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني بـ"وطن الرسالة" عن عبث. والمسؤولية الأولى والأخيرة عن ضياع هذا المعنى هو برسم أكبر كتلتين مسيحيتين، نيابيًا وشعبيًا.
هذا الكلام لن يستسيغه الطرفان. ولكن يجب أن يُقال.
فالخلاف على "كرسي زائل" لن يُطعم جائعًا.
والتسابق للجلوس على هذا الكرسي المثقوب لن يعيد كهرباء صُرفت عليها مليارات الدولارت هدرًا وفسادًا.
والتراشق الكلامي بين "الأخوة الأعداء" لن يوصل أهالي ضحايا إنفجار المرفأ إلى الحقيقة الدامغة.
وهذا الجو البغيض والمشحون لن يساهم بالتأكيد في تحصيل المودعين لأموالهم المنهوبة منهم.
وهذا الكمّ الهائل من الحقد الأعمى لن يسمح بعودة الذين هاجروا غصبًا عنهم، وفي قلوبهم غصّة وحرقة.
وهذا الزيت المصبوب على النار الحامية سيجعل هذا الوطن، الذي حميناه بأروحنا ودمائنا على مرّ السنين، يضيع من بين أيدينا كأوراق الخريف المتساقطة على طرقات التسّول.
إن زدتم زدنا. وإن عدتم عدنا. فكفى.