من المتفق عليه بين جميع المتابعين أن الولايات المتحدة الاميركية ليست في وارد الذهاب لمواجهة كبرى في لبنان ولا حتى في المنطقة، لاسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، وأن الاستراتيجية الاميركية باتت تركز في بيروت على هدف اساسي يمكن إختصاره بعبارة "الحفاظ على الوضع القائم"، اي عدم الذهاب لتسوية كبرى تطال الساحة اللبنانية نظرا لتعقيداتها وخصوصياتها وارتباطاتها، وكذلك عدم الذهاب الى اشتباك كبير.
تسعى الولايات المتحدة الاميركية الى الاستفادة من التقدم التكتي الذي تحقق لها في لبنان بسبب الازمة الاقتصادية وبعد الحراك الشعبي الاخير للبناء عليه وإلزام "حزب الله" بتقديم تنازلات بغض النظر عن حجمها، ومن هذه التنازلات التراجع في حجم الحضور السياسي له ولحلفائه داخل المؤسسات الدستورية اللبنانية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية.
حقق "حزب الله" انتصارا غير مسبوق بعد ايصال حليفه المسيحي الاول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، الامر الذي نُظِر اليها على انه تطور سلبي خطير على النفوذ التقليدي لواشنطن في بيروت، لكن حصول الانهيار الاقتصادي والحراك الشعبي كبّل الحزب كغيره من القوى السياسية، وجعله غير قادر على توسيع هامش مناورته السياسية.
مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي باتت واشنطن تسعى الى سلب "حزب الله" فرصته للحفاظ على حضوره في الرئاسة الاولي وعرقلة الذهاب نحو عهد رئاسي جديد حليف للحزب، لكن هذا التوجه يسير بالتوازي مع عدم رغبة واشنطن في الذهاب الى استفزاز الحزب ودفعه نحو مواجهة سياسية لا تريدها عبر ايصال رئيس معاد له.
هذا التوجه بات واضحا لدى حلفاء واشنطن الاساسيين ايضاً، فبعيدا عن رفع سقف الخطاب الاعلامي والسياسي من قبل بعض الاطراف لتحسين شروط التفاوض الرئاسية، الا ان المرشحين الجديين للرئاسة،والذين يأخذ معظهم صفة الوسطية او "المستقلين"تراجعوا في الاسابيع والاشهر الاخيرة عن اي خطاب سياسي تصعيدي لا بل بات، الى حد ما، يراعي "حزب الله" في تصريحاته.
يدرك المرشحون الجديون ان الحصول على موافقة الحزب بات امرا ضروريا في ظل الاستراتيجية الاميركية الحالية وعليه فإن قطع الجسور مع القوى الاساسية يعتبر انتحارا سياسيا وخروجا طوعيا من السباق الرئاسي، لذلك نشهد ليونة لم تكن موجودة خلال الانتخابات النيابية لدى الكثير من الشخصيات المعنية.
سيسعى "حزب الله" خلال المرحلة المقبلة الى تكريس حضوره داخل المؤسسات الدستورية كما فعل في الانتخابات النيابية من خلال ايصال رئيس جديد حليف له، وهذا يحتاج الى جهود كبيرة داخل الصف السياسي الواحد المتحالف مع الحزب، قبل الذهاب نحو تنازلات وتسويات مع الخصوم للاتفاق على شخصية مشتركة..