ما إن تم إعلان اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، حتى عادت الأجواء الإيجابية الى السيطرة على البلاد بشكل عام، وإن لم ينعكس هذا الأمر بطريقة ملموسة لدى المواطنين، الذين بات همهم اليوم تأمين لقمة العيش والدواء، بعيداً عن الإذلال وطوابير الذل. إلا أن هذا الخبر، وإن كان كمن يشتري سمكاً في المياه، حرّك العجلة الاقتصادية، لا سيما في الجنوب, لجهة النمو المضطرد في حركة بيع الأراضي لا سيما في المنطقة الساحلية الممتدة من صور الى الناقورة، حيث من المتوقع أن تبدأ عمليات التنقيب والحفر.
هذه الأجواء الإيجابية، أتت بنتائج إيجابية أيضاً، على موارد العملة "الصعبة" في البلاد، حيث أشارت مصادر المعهد اللبناني لدراسات السوق الى أن "المصرف المركزي استحوذ على 418 مليون دولار خلال الثلاثين يوماً المنصرمة، ما سمح له بضخّ 25 تريليون ليرة إضافية في التداول، وهو ما سمح له أيضاً بامتصاص عرض الدولار الذي ترافق مع ملف الترسيم، والحفاظ على استقرار نسبي لسعر الصرف بالتوازي مع زيادة احتياطي العملات الأجنبية إلى حدود 10 مليار دولار". وأضافت المصادر أن عامل الإعلان عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية انعكس إيجاباً على الأسواق المالية، ما سمح للمركزي بزيادة الكتلة النقدية بحوالي 20% لتصل إلى رقم قياسي بلغ 69.8 تريليون ليرة.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الخبير الاقتصادي باتريك مارديني أنه، وعلى الرغم من كل هذه الإيجابية التي أرخاها موضوع ترسيم الحدود، إلا أن هذا الأمر لا يعني على الإطلاق أن لبنان بات دولة نفطية، وبالتالي فإنه من المبكر التركيز على أي حديث حول عائدات نفطية أو البناء عليه قبل البدء بعملية التنقيب، مشدداً على أن المسار سيكون حتماً طويلاً في عملية التنقيب عن النفط، بعد أن تبدأ شركتا "توتال" و"آني" بعملية التنقيب في حقل قانا، ومشيراً الى أنه وعلى الرغم من أن هذا الأمر تم في السابق، الا أن ما وجد لا يمكن اعتباره كميات تجارية تسمح باستخراجه وبيعه في السوق الخارجية.
وقال في حديث عبر "لبنان 24": "حتى الآن لا يمكن اعتبار لبنان بلداً نفطياً على الإطلاق، ولا يمكن حتى التكهن حول المدة التي من الممكن أن يصل فيها الى مصاف الدول النفطية، خصوصاً وأن عمليات التنقيب حتى الآن لم تصل الى كميات مطلوبة من النفط في المياه الأقليمية اللبنانية يمكن أن تكون أساساً للتجارة"، مشيراً الى أنه عندما ينتهي لبنان من التنقيب، ويبدأ عمليات الحفر، واذا كان هناك من ثروة نفطية بكميات تجارية، فعندها نحتاج من 5 الى 8 سنوات لنبدأ عملية التصدير والاستفادة من عائداته، لأن هذا الأمر يحتاج الى بنية تحتية غير موجودة حتى الآن."
ولفت في هذا المجال، الى أنه "اذا كان هناك نفط في المياه الإقليمية، فهذا لا يعني على الإطلاق أن لبنان سينهض اقتصادياً بفضل هذه العائدات، وهناك العديد من الأمثلة الحسية لدول تعدّ الأولى عالمياً في مجال النفط، وهي من الدول الأكثر فقراً كفنزويلا ونيجيريا والجزائر وليبيا..، مشيراً في هذا الإطار الى أن هذه الأموال إن وجدت من المستبعد أن تصل إلى الشعب اللبناني بسبب الطبقة الحاكمة".
وأكد في المقابل"أن هناك نموذجا آخر من البلدان التي تمكنت من الاستفادة من العائدات النفطية، ومن إنقاذ بلادها وإخراجها من الأزمات الاقتصادية التي تتخبط بها، وإعادة الإعمار، وبالتالي فوجود عائدات نفطية لا يعني على الإطلاق خروج لبنان من أزمته الاقتصادية بسرعة، لأن الأمر يتطلب قبل ذلك حل أزمة الفساد من خلال تطبيق الإصلاحات التي تُعتبر خشبة الخلاص الوحيدة للبلاد".