أجّل رئيس مجلس النواب نبيه برّي الدعوة للحوار، بسبب عدم موافقة "القوّات اللبنانيّة" و"التيّار الوطنيّ الحرّ" على حضوره، في خطوة رأت فيها أوساط سياسيّة أنّها تمديدٌ لحالة الفراغ الرئاسيّ. فكانت كتلٌ نيابيّة عديدة تنتظر الإجتماع الوطنيّ للبحث عن تسويّة، تُفضي إلى توافقٍ حول مرشّحٍ وسطيٍّ، قادر على جمع الأفرقاء السياسيين حول برنامج عمل إصلاحيّ وإقتصاديّ. في المقابل، اعتبرت أوساط معارضة أنّها فرصة جديدة لمحاولة توحيد كتلها خلف شخصيّة تُسمّيها، بعيداً عن "حزب الله"، أو فرض البحث بموضوع رئاسة الجمهوريّة في مجلس النواب، من خلال جلسات الإنتخاب المتتاليّة.
وقد كان الحوار بحسب مراقبين ضحيّة الخلاف المتجدّد بين "التيّار" وبرّي، فكما وقّع الرئيس السابق ميشال عون قبل ساعات من إنتهاء ولايته إستقالة الحكومة ودعا المجلس النيابيّ لسحب التكليف من الرئيس نجيب ميقاتي،رفض فريقه قيام رئيس المجلس النيابيّ بترؤس طاولة الحوار، بحجة أنّ الدعوة من صلاحيّة رئيس الجمهوريّة. وقد أعلن النائب جبران باسيل أنّه من غير الممكن التحاور مع شخصٍ "يشتمه" بحسب قوله، في دلالة على برّي وفريقه.
وفي السيّاق عينه، فإنّ "القوّات" أبدت على لسان رئيسها سمير جعجع، عدم حماستها في مشاركة الفريق الذي تتّهمه بإيصال البلاد إلى ما هي عليه سياسيّاً وإقتصاديّاً ومعيشيّاً، أيّ "حزب الله" و"الوطنيّ الحرّ" بتسويّة. ويُضيف المراقبون أنّ كلّ التسويّات وطاولات الحوار السابقة، من إتّفاق الدوحة إلى العامّ 2016 سقطت بسبب الخلافات حول تقاسم الوظائف والتعيينات في الإدارات والمؤسسات العامّة، وصولاً إلى الحصص الوزاريّة.
ويرى مراقبون أنّه مع غياب التمثيل المسيحيّ، لا جدوى من الدعوة للحوار، فكلا كتلتيّ "الجمهوريّة القويّة" و"لبنان القويّ" "بيضة قبان" في أيّ عمليّة إنتخابيّة. من هنا، تقول أوساط سياسيّة إنّه من دون إحداهما، لا إمكانيّة لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. ويُشير المراقبون إلى أنّه كان من المنتظر أنّ يُعلن "الثنائيّ الشيعيّ" خلال الحوار عن بعض الأسماء، وفي مقدّمتها رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجيّة.
ويوضح مراقبون أنّ "حزب الله" و"حركة أمل" لا رغبة لديهما بطرح أيّ إسمٍ من خارج إطار التوافق، خشيّة حرقه، وخصوصاً إذا كان فرنجيّة. وبعد فشل مساعي الحوار، من المتوقّع أنّ يستمرّ برّي بالدعوة لجلسات الإنتخاب راميّاً الكرّة في ملعب معطّلي التوافق، لكنّ النتيجة ستكون مشابهة للجلسات السابقة، وسيكون الفراغ وحده السائد. فـ"التيّار" يريد حواراً على سبيل المثال يكون مسيحيّاً، يرأسه البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أوّ حواراً بين فريقين أو أكثر، أمّا "القوّات"، فتُريد إيصال مرشّحها أو أنّ يكون التفاهم داخل أروقة مجلس النواب.
ويلفت مراقبون إلى أنّ جلسات الإنتخاب التي من المنتظر أنّ يدعو إليها برّي، ستُؤكّد مرّة جديدة للخصوم والحلفاء، أنّه من دون التوافق لن يستطيع أيّ فريق إنتخاب مرشّحه، وستكون رسالة مباشرة لـ"القوات" وداعمي رئيس "حركة الإستقلال" النائب ميشال معوّض أنّ تكثيف جلسات الإنتخاب لن يكون الحلّ الأنسب، ولن يوصل أحداً إلى سدّة بعبدا. كذلك، من شأن الفشل في عمليّة الإنتخاب، توجيه الإتّهام لـ"الوطنيّ الحرّ" أنّه مسؤول عن الفراغ والتعطيل، وهدفه خلافة باسيل لعون أو أيّ شخصيّة أخرى مقرّبة منه.
وفي الإطار عينه، تقول أوساط سياسيّة إنّه بعد فشل إنعقاد طاولة الحوار، سيبدأ البحث بسرعة عن بديل، وربما يكون إجتماعات بين بعض الكتل في مجلس النواب أو خارجه. وتُشدّد الأوساط أنّ موقع الرئاسة الأولى يعني بكركي بشكلٍ أساسيٍّ، لذا، يتوجّب عليها التدخّل، فـ"القوّات" من المستبعد أنّ لا تُلبّي دعوة البطريرك إنّ قرّر جمع رؤساء الأحزاب المسيحيّة للاتّفاق. وأيضاً، سيُلبّي "التيّار" هذه المبادرة التي أطلقها باسيل منذ فترة، علماً أنّ الأوساط تُذكّر أنّه في مناسبات سابقة، اتّفق الأركان المسيحيّون في أروقة بكركي، وعادوا واختلفوا خارجها. وتلفت إلى أنّ الراعي جزم من البحرين أنّ "الإتّفاق على شخص يكون بالتصويت والتشاور".
وتُتابع الأوساط أنّ المجتمع الدوليّ والعربيّ ينتظر من الكتل النيابيّة أنّ تُبادر إلى انتخاب الرئيس، وقد كان لافتاً كلام وزير الخارجيّة السعوديّة فيصل بن فرحان خلال القمة العربيّة في الجزائر وقوله إنّ "المملكة تدعو لانتخاب رئيسٍ قادر على توحيد اللبنانيين"، في إشارة رأت فيها الأوساط أنّها ترحيب بالتوافق والحوار، كيّ يكون الرئيس المقبل جامعاً. وتُضيف الأوساط أنّ الإستقرار في لبنان أصبح مسألة مهمّة جدّاً لدى الغرب، وخصوصاً بعد ترسيم الحدود البحريّة، وهناك رغبة أوروبيّة وأميركيّة بإجراء الإنتخابات وتشكيل حكومة جديدة ليتحسّن الوضع السياسيّ والإقتصاديّ، لكيّ تستفيد من ثروات بحر المتوسط.