بات قسم كبير من مكاتب الإستخدام والعاملات الأجنبيات في المنازل،ساحة لعناوين دسمة تستقرُّ بين غرف المكاتب السّوداء، فالأمرُ لم يعدْ يتوقفُ على هروبِ عاملة، أو سرقة محتويات المنزل، أو التآمر بين العاملات مع المكاتب من أجل إستفزاز رب المنزل، وسحب الأموال منه، اذ قرر قسم من هذه المكاتب الغوص بمهمات أكبر والتحوّل الى مكاتب دعارة بامتياز.. نعم، دعارة، وليس للعمل والتّنظيف. فاحذروا أيها اللّبنانيون..
لن نستغربَ إذا رأيْنا مكتباّ يعملُ عكسَ عنوانه، ولا إذا صادفنا إحدى الشركات أو المؤسسات، أو حتى مبادرات فردية تغوصُ بعالمِ الدعارة، فهذا الأمر بات شبه عادي في لبنان، إذ بات لهذا القطاع أربابهُ، وأسياده، ولعل العديد من مكاتب الإستخدام واستقدام العاملات الأجنبيات خيرُ دليلٍ على ذلك.
وفي التّفاصيل، فإنَّ بعضاً من مدراءِ مكاتبِ الإستقدام في لبنان قرّروا تحويلَ مكاتبَهُ من إلى مكاتبِ استقدام العاملات للدعارة، وذلك من خلال استغلالِ أسماء الزبائن اللّبنانيين، والعمل على استقدامِ العاملات على اسمهم، وإدخالهم في عالم الدعارة، لتنتفي مسؤوليتهم لأن العاملةَ مسجلةٌ على اسمِ رب العمل اللّبناني، وليستفيد صاحب المكتب من هذا الأمر، ويحمي نفسه من أي حساب أو عقاب.
في عام ٢٠١١، بدأت الإعتصامات المُطالبة بتنظيم القطاع بظلّ وجود قرار ينظّم العمل ( قرار رقم ١٦٨ تاريخ ٢٧/١١/٢٠١٥)، إلا أن الفلتان على عينك يا دولة.
الحديثُ والجردة تبدأ ولا تنتهي في قطاعِ "تجارةِ الرقيق"، حيثُ باتت هذه المكاتب توازي "السّوق السّوداء"، فانطلاقاً من تأجير الرخص، فإن هذه الموضة باتت "الحنفية" الأكبر التي تدرُّ الأموال على هذه المكاتب، حيث يعمدُ صاحب الرخصة الى التّنازل عنها، أو تأجيرها "صورياً" لأجل التّحايل على العاملات، واستقطابهن على أساس أنهن سيعملن داخل البيوت ليفاجأن أنهن "مشروع دعارة" على أبواب المكاتب، أو حتى بعضهن يأتين برضى كامل، وذلك بسبب التّحايل الحاصل لجهة تأجير الرخص لأشخاص لا يوجد لديهم المؤهلات المطلوبة لفتح مكاتب استقدام، وذلك بالإتفاق الخالص مع العاملات(مواد ٣-٤ من القرار المذكور)، وبالتالي فإن عملية التأجير التي تتم بشكل مسترسل من خلال الإستحصال على أكثر من رخصة يعني زيادة تلقائية بعدد المعاملات المسموح به، ما يعني زيادة أكثر بلفيف ومعشر العاملات، وهنا يكمن عمل صاحب المكتب "الحربوق"، صاحب "السندة"،والواسطة، إذ يستطيع مثلا هذا الشخص أن يحصل على رخصة، ويدير ٣ رخص أخرى ما يعني توفير ١٢٠٠ معاملة سنويا بمعدل ٣٠٠ معاملة للرخصة الواحدة (المادة ١٣ من القرار المذكور يسمح بـ٣٠٠ معاملة)، وعليه يبدأ جني الأرباح من خلال تسهيل " السماسرة الرسميون"، كلٌّ من داخل مكتبه، ومن هنا نقف حائرين أمام القرار ١٦٨/١ الذي ينص بمادته الثامنة:" لا يحق لصاحب المؤسسة أو للشركاء مجتمعين ومنفردين التنازل عن رخصة المكتب أو بيعها أو تأجيرها او بيع حصص الشركة او اسهمها او اي حصة او سهم من اسهم اي شريك الا بعد الحصول على موافقة وزارة العمل."
نكمل بتفنيد القرار ١٦٨/١ الشّكلي، فهو بات كمعظم القوانين في لبنان التي تعتبر حبراً على ورق، فتأتي المادة ١٦ لتنص على أنه "ينحصر عمل المكاتب بتوفير العاملات في الخدمة المنزلية وفق قوانين وأحكام هذا القرار وطلب أصحاب العمل، وبالتالي تُمنع المكاتب من الاستفادة من العاملات في تقديم خدمات من أي نوع كانت ولأي شخص كان او مؤسسة ببدل أو بدون بدل تحت طائلة إلغاء الترخيص، كما يحظر على المكاتب استقدام العاملات في الخدمة المنزلية على أسماء أصحاب عمل وهميين بغية تشغيلهم بأجر يومي او شهري في أماكن متعددة، أو استخدامهم في مؤسسات أو شركات"، وهنا ندخل إلى أبواب الفساد المشرّعة في هذا القطاع على مصراعيها، إذ أن الأمر يتم بكل سهولة وهوانة من خلال استخدام بطاقات الهوية وتسجيل العاملات واستخدامهن بالعمل على نظام الساعات أو في شركات التّنظيف، أو بمجال الدعارة، وهنا تُطرح فرضية الإتفاق المُسبق مع وكلاء وهميين، ليخسر بذلك الزبون اللبناني أمواله, ولتسجل على اسمه بوقت تكون قد هربت العاملة بتدبير مسبق مع أصحاب المكاتب للغوص بمجالات ممنوعة قانونياً، ولتُدرّ الأرباح بمعدلات كبيرة، حيث تُظهر دراسة قامت بها جمعية "كفى" بالتعاون مع "المفكرة القانونية" بأنّه لا يوجد سقف قانوني للأرباح التي تستطيع المكاتب أن تجنيها، كما لا تُوجد أيّةُ رقابة في لبنان على الرسوم التي يدفعها صاحب العمل لوكالات الإستقدام في لبنان من أجل استقدام عاملات المنازل.
وبيّنت الدراسة حجم الأرباح التي يجنيها أصحاب مكاتب الاستقدام من هذا "البزنس" إذ أظهرت الدراسة أن قيمة الأرباح التي يحققها المكتب تصل أحياناً إلى ٢٥٠٠ دولار عن كلّ عملية استقدام. أضف إلى ذلك مجموعة الممارسات التي تقوم بها تلك المكاتب لاستغلال العاملات المهاجرات من عدم إخبارهن بحقيقة طبيعة الأشغال التي سيقمن بها.
وزير العمل
وفي حديثٍ مع"لبنان٢٤ " قال وزيرُ العمل مصطفى بيرم:" هناك فعلاً بعض المخالفات التي استطاعت وزارة العمل أن ترصدها، إن كان من خلال عمليات تجيير العاملات بين المكاتب، أو من خلال الموافقات المسبقة، وبيع خدمات العاملة لشخصٍ آخر"،
وقال "هناك آلية عمل دقيقة بُحثت مع النّقابة لأجل كشف مكامن التّجاوزات"، مشدداً على" أنَّ هناك مكاتب قد تلقت إنذارات مباشرة، والهدف من هذا الأمر هو الحفاظ على صورة لبنان، بالإضافة إلى المُحافظةِ على حقّ العاملات، وأخيراً مراعاة حقوق اللّبنانيين الذين دفعوا أموالهم، ولعدم شعورهم بالغبن".