كتب طوني عيسى في "الجمهورية":
واضح أنّ الأجهزة العسكرية والأمنية تتعاطى بكثير من التأنّي والحذر مع تحدّيات المرحلة الآتية. وحتى اليوم، يبدو الوضع الأمني هو المجال الوحيد المضبوط مقابل الفشل والتفلّت السياسي والدستوري والمالي. ولكن، ثمة مَن يخشى ارتفاع مستوى الضغوط الأمنية في المرحلة المقبلة.
فعلى المستوى الداخلي، ليس سهلاً ضبط الأمن الاجتماعي عندما تتفاقم الأزمة المالية والنقدية، ويصل الناس إلى مستويات عيشٍ أكثر تردياً، أي إذا وصل سعر صرف الدولار إلى المستويات المرعبة التي يتمّ التداول بها أخيراً، ومعها تصاعدت أسعار السلع والخدمات في شكل جنوني. وخصوصاً إذا عمدت السلطة إلى تنفيذ «مخططها» بمضاعفة أسعار الخدمات والرسوم والضرائب، فيما تذوب الرواتب والأجور بالكامل.
في هذه الحال، بديهي أن يصبح الأمن الاجتماعي عرضةً للاهتزاز. ولا يترقّب المعنيون انطلاق موجة التوتر الاجتماعي من العاصمة، حيث الوضع أكثر تماسكاً، بل من المدن والمناطق الأكثر فقراً واحتقاناً اجتماعياً، والتي شهد بعضها العديد من الخضّات الاجتماعية والأمنية في السنوات الأخيرة.
وثمة مخاوف من قيام بعض الجهات، ولاسيما الجماعات التخريبية المعروفة، باستغلال حالات الفقر والجوع لاستقطاب الناقمين وتجييشهم، بإدراك منهم أو من دون إدراك. وفي الأيام الأخيرة، كشفت الأجهزة الأمنية عن مزيد من الخلايا الإرهابية الناشطة على الساحة.
في ظل المتغيّرات الإقليمية والدولية، حيث تتبدَّد مناخات الحوار والتسوية لمصلحة القطيعة والصدام، ثمة مخاوف من أن يعود لبنان ساحة مواجهة. ومن هنا أهمية الفرصة التي كانت سانحة قبل انتهاء عهد الرئيس ميشال عون وغداة الاتفاق على الترسيم بحراً.
من المتوقع أن يعتمد نتنياهو نهج المواجهة مجدداً مع إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، وسيدفع الولايات المتحدة إلى تغطيته، فيما سيعود الأوروبيون إلى المسرح أكثر ضعفاً وشبه مستفردين، كما كانوا خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب.
وهذه المتغيّرات قد تكرّس الانزلاق إلى مستويات أدنى من الانهيار في لبنان، بحيث يُترك البلد لمصيره. وأساساً، لم تعرض القوى الإقليمية والدولية على لبنان أي مساعدة حقيقية إلّا عندما احتاجت إلى توقيعه على اتفاق الترسيم وتقاسم الغاز.
ولكن، ما يقلّص المخاوف الأمنية في لبنان هو أنّ القوى الدولية والإقليمية كافة ما زالت تعتبر الاستقرار اللبناني حاجة للاستقرار الإقليمي، وأنّ الحفاظ على الحدّ الأدنى من السلطة وهيكل الدولة ضرورة لتجنّب المزيد من الفوضى في دول أخرى في المنطقة.
لكن المصدر الأبرز للهواجس الأمنية الحقيقية في لبنان يبقى إسرائيل، خصوصاً مع عودة نتنياهو على رأس تركيبة التطرّف المنتظرة. ويخشى البعض سيناريوهات مثيرة ربما تكون قيد التحضير في مطابخ اليمين الإسرائيلي، وتقضي بتفجير العديد من دول الشرق الأوسط، ولبنان ربما يكون واحداً منها. وهذا هو المكمن الأخطر في المرحلة المقبلة.