ردًّا على قرار مصرف لبنان حلّ مجلس إدارة بنك البركة وتعيين مدير مؤقت له، لتسيير أعماله وتصفيته، أعلنت مجموعة البركة، المالكة لبنوك البركة الإسلاميّة، أنّها بصدد اتخاذ إجراءات قانونية ضدّ مصرف لبنان. الأخير حلّ كذلك مجلس إدارة "فيدرال بنك" وعيّن المصرفي سعد العنداري مديراً مؤقتاً له. فهل باشر مصرف لبنان تطبيق مفاعيل التعميم 154 وتصفية المصارف العاجزة عن وزيادة رساميلها؟
خبير المخاطر المصرفيّة الدكتور محمد فحيلي لا يصنّف الإجراء بحق المصرفَين المذكورين بأنّه يندرج في اطار المباشرة بتطبيق إعادة هيكلة المصارف، لجهة الدمج أو التصفية والإبقاء على تلك القادرة على زيادة رأس المال، لافتًا في حديث لـ "لبنان 24" إلى أنّ المجموعة التي تملك "بنك البركة الإسلامي" برئاسة عبد الله صالح كامل، كانت تنوي منذ سنوات الخروج من السوق اللبناني، وكانت قد أبلغت الهئية المصرفيّة رغبتها ببيع المصرف أو الرخصة المصرفيّة. ثم ظهرت الأزمة المالية في البلد ففاقمت الأمور "وكان لدى البركة وغيره من المصارف توظيفات لدى مصرف لبنان، الأخير لم يعدها بالعملة الأجنبية، وهذا ما أخّر من قدرة هذه المصارف على الإنسحاب من السوق المحليّة، كما أنّ "فيدرال بنك" لديه مشاكل منذ العام 2005. هذه المصارف لم تمتثل لطلب المصرف المركزي تعزيز رساميلها في أيام الرخاء، وكان يجب إنهاء معضلتها في حينه. اليوم لم تلتزم بتعاميم مصرف لبنان لاسيّما التعميمين 151 و158 المتعلقين بالسحوبات الإستثنائية من الودائع بالعملة الأجنبية، ولم تستقبل ودائع بالمعنى التقليدي، كما أنّ حصّتها في السوق المصرفيّة المحليّة هزيلة جدًا، بالتالي لا شيء مفاجئا بما حصل، ولا تأثير له".
ما يحصل اليوم، إن لجهة فشل السلطة التشريعية في إنتاج قانون كابيتال كونترول، بفعل عدم وجود جدوى اقتصادية منه، أو لجهة القيام بإجراءات مجتزأة، لا يحلّ الأزمة. وفق مقاربة فحيلي، الخطّة الوحيدة التي تعطي أيّ معنى اقتصادي تكمن بتطمين المودع حيال مصير وديعته، وليس استردادها، فهناك العديد من المودعين لا حاجة لهم للوديعة اليوم، ومن جهة ثانية تمكين المودع من استعمال ما يكفي من وديعته لتمويل فاتورة الإستهلاك من طبابة وتعليم، واعتماد الدفع 100% من خلال البطاقات المصرفيّة في المحال التجارية والسوبر ماركت "ويمكن لمصرف لبنان أن يطبّق هذه النقطة من دون الرجوع لأيّ سلطة، عبر السماح لأصحاب السوبر ماركت باستخدام الأموال في بطاقات الدفع لتسديد فواتيرهم للمورّدين، والسماح لمستوردي المواد الإستهلاكية شراء الدولار وتمويل فاتورة الإستيراد بهذا الشكل. وسائل الدفع المتاحة هي الممر الإلزامي لترميم الثقة ما بين المودع والمصرف، وبعدم حصولها لا يمكن لأيّ خطة أن تأخذنا باتجاه التعافي الإقتصادي ".
ما هي الإجراءات القانونية التي يمكن لبنك البركة أن يتخذها؟
أجاب فحيلي أنّه يحقّ لأّي مصرف أجنبي رفع دعاوى، هنا لا بدّ من العودة إلى العقود التي وقّعها البركة لأخذ رخصة للتأسيس في لبنان كمصرف وليس كفرع أجنبي في لبنان. مضيفًا أنّ المصارف التجارية في الحالة الراهنة، خاضعة force majeure، بالتالي لا يمكن للسلطة النقديّة أو القضائيّة أن تتعامل مع مصرف بشكل يختلف عن تعاملها مع آخر، وفي حال قررت أن تدفع التوظيفات لبنك "البركة" يُحتّم عليها أن تتصرف مع كل المصرف بالطريقة نفسها. كما أنّ المصارف التجارية تتحصّن بالظروف الإستثنائية كي لا تدفع الودائع، وهذا ما حال دون كسب المودعين للدعاوى بحقّ المصارف.
هل مصرف لبنان جاهز للتعامل مع حالات الإفلاس المصرفي؟
"الأمر ليس تعجيزيًا بالنسبة لمصرف لبنان، كون المركزي يؤمّن السيولة للمصارف لتأمين السحوبات، والأخيرة تموّل التجارة الخارجية بلبنان ولن تفلس، ولكن لدينا 58 مصرفًا تجاريًا ويمكن الإستغناء على ثلاثين مصرفًا بسهولة، خصوصًا أنّ القطاع المصرفي يجب أن يعكس حجم النشاط الإقتصادي، أمّا الدولة فهي تعاني من استبعاد اقتصادي كونها لا تواكب المتغيرات الإقتصادية وغلاء المعيشة".
لا يمكن للقطاع المصرفي أن يستمر بهذه الوتيرة، عليه أن يبادر ويقوم بهيكلة ذاتيّة، ويذهب باتجاه ترميم الثقة مع المودع. مصرف لبنان كان قد فتح الباب أمام المصارف لذلك في إطار مندرجات التعميم 154، بعض المصارف امتثل ورفع من رأس المال والبعض الآخر عجز، فلماذا لا تتم معالجة وضع المصارف العاجزة عن البقاء في السوق لجهة الدمج أو التصفية؟
بحكم الواقع، هناك العديد من المصارف تقلّصت وخرجت من أسواق خارجية، وصرفت موظفين، يلفت فحيلي، مشيرًا إلى أن التعميم 154 لا يقتصر على زيادة رأس المال، بل يمنح المصارف فرصة لتقييم وضعها من خلال الطلب من كلّ مصرف إجراء تقييم ذاتي للموجودات والمطلوبات، والتقدّم بخطة للتعافي يكون قادرًا على تطبيقها لينقذ نفسه من الأزمة وفق فترة زمنية. من ناحية ثانية نصّ التعميم على حض المصارف عملائها الذين قام أي منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار الى الخارج خلال الفترة المبتدئة من تموز 2017، أن يودعوا في حساب خاص مجمّد لمدة، مبلغاً يوازي 15% من القيمة المحوّلة. ويُطبّق هذا البند على رؤساء واعضاء مجالس ادارة وكبار مساهمي المصارف وعلى الادارات العليا التنفيذية للمصارف وعملاء المصارف من الاشخاص المعرّضين سياسياً، إنما بنسبة 30% بدلاً من 15%. وعين المركزي لجنة لمحاكمة غير الممتثلين وفقا لأحكام القانون 44/2015 المتعلق بمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. "بالتالي مصرف لبنان قادر على التصرّف لكن لجنة الرقابة على المصارف هُمشت منذ 2020، وصمتها اليوم يفاقم الوضع سوءًا، في حين أّن المهام الأساسية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي منوطة بها".
بالخلاصة ما نشهده في السوق المصرفي ليس مؤشرًا على البدء بالإصلاح "والإجراء بحق "البركة" و"فيدرال بنك" لا يحتمل الوقوف عنده إلا من باب التأكيد على وجوب إصلاح القطاع المصرفي، وفق فحيلي، بالمقابل المؤشر الحقيقي للهيكلة يكون بقيام مصرف لبنان بتقييم للمصارف التي تستحوذ على الجزء الأكبر من حصة القطاع المصرفي في السوق اللبناني، بحدود 80%، وفق ما طلب صندوق النقد الدولي.