بشكلٍ واضحٍ وعلنيّ، حسَم رئيس كتلة "الوفاء للمُقاومة" النّائب محمد رعد مؤخراً موقف "حزب الله" من أيّ حوارٍ قد يُجريه الأخير مع الأطراف السياسيّة بالقول: "ليس كلّ من نختلف معه هو خصم إنّما الخصم هو من يتآمر مع الخارج من أجل تمرير سياسات تناهض آراء اللبنانيين ومصالحهم، وإن اختلفنا مع أي من القوى السياسيّة، نُحاوره في السياسة".
فعلياً، قد يكونُ كلامُ رعد بمثابة "الرّد" المباشر على الموقف الذي أطلقه رئيس حزب "القوّات اللبنانية" سمير جعجع بشأن الحوار مع "حزب الله"، واعتبار هذا الأمر بمثابة "مضيعةٍ للوقت". فبالنسبة للأخير، لا مجال حالياً لأيّ تقاربٍ مع الحزب باعتبار أنَّ الأخير مسؤولٌ عما وصلت إليه البلاد من أحوال. إلا أنه في المقابل، جاء الرّد مباشرة من رئيس الحزب "التقدّمي الإشتراكي" وليد جنبلاط ليعتبر أن رفض الحوار مع "حزب الله" هو أمرٌ عبثي، وبالتالي مُعارضة "القوّات" في الطروحات التي تُقدّمها.
لماذا يُصرّ "حزب الله" على الحوار الآن؟
بشكلٍ أو بآخر، فإنّ موقف "حزب الله" من الحوار بهذا الإطار يُعتبرُ تقدّماً ملحوظاً يستحقّ الوقوف عند حيثياته. فمن جهة، قد تكون تلك اللغة الحالية مُقدّمة لـ"تفاهمٍ مرحلي على ملف معين" مع أطرافٍ جديدة بعيداً عن منطق "التحالفات"، والمقصود هنا هو الأطراف التي لم يكن متوقعاً أن يجري بينها وبين الحزب أيّ تقارب.
عموماً، فإنّ الحوار الذي يُطالب به "حزب الله" قد يكونُ تمهيداً جديداً لـ"تهدئة سياسيّة" من أجل تمريرِ مرحلة الاستحقاق الرئاسيّ، إلا أنه في الوقت نفسه يكشفُ عن تبدّلٍ في المواقف. ومن هنا، فإنّ إعلان "حزب الله" الحوار مع أي طرفٍ يختلف معه في السياسة من دون اعتباره "خصماً" هو أمرٌ يحمل دلائل كثيرة أبرزها أنّه من "قرار محسوم نهائياً" إزاء أي شيء وتحديداً بالنسبة لرئاسة الجمهورية. وعليه، فإن الحوار بين "حزب الله" والأطراف الأخرى قد يُثمر عن "تفاهمات مفاجئة" ترتبطُ بالاستحقاق الرئاسي، وهو أمرٌ لم تشهدهُ حركة الحزب في العام 2016 حينما تم التوافق بين أطرافٍ عديدة على رئيس الجمهورية السابق ميشال عون.
عملياً، فإنّ "حزب الله" بدأ بسلكِ طريق الحوار العلني مع الآخرين بدءاً من جنبلاط الذي يُبدي تمسّكه بهذا التقارب لاعتبارات كثيرة قد تكون مُرتبطة بالمرحلة المقبلة. كذلك، فإن أصداء حوار غير مباشرة باتت تظهرُ أيضاً بين الحزب و"الكتائب اللبنانيّة" وهو أمرٌ قد يتطور لاحقاً باتجاه أطرافٍ أخرى. إلا أنّه في الوقت ذاتهِ، فإن ما يحصل قد لا يكونُ "مُلزماً" للآخرين بل قد يأخذُ مسار "ربط النزاع" على الملفات الخلافية، وبالتالي الانتقال بها نحوَ البحث المرتبط بسقف تفاهمٍ مُنعزل عن العدائيّة.
وإزاء هذا المشهَد، فإنَّ ما يمكن تثبيته بشكل واضح هو أنّ من بدأ فكرة هذا الحوار "غير المباشر" و"ربط النزاع" مع "حزب الله" كان الرئيس سعد الحريري قبل أكثر من 10 سنوات. فعلياً، فإنّ هذا الأمر أسفرَ عن استقرارٍ بين مُكوّنين أساسيين، كما أنه أرسى مجالاً لتفاهمات ظهرت لاحقاً ولو كانت موضعية أو مرتبطة بملفاتٍ مُحدّدة. إلا أنه ومقابل ذلك، فإن هذه الفكرة التي بات يتبناها "حزب الله" علناً قد لا تروقُ لحليفه "التيار الوطني الحر" الذي قد يجدُ في ما يريده الحزب "انقلاباً" عليه. فمن جهة، قد يرى رئيس "التيار" جبران باسيل أن حوار الحزب مع "القوات" أو "الكتائب" هو بمثابةِ التقاء مع أطرافٍ حاربت عهد عون وواجهته، ومن جهة أخرى قد يرى في خطوة الحزب "انتهاءً لعهد التحالف الثابت" البعيد عن أي انفتاحٍ على أطراف أخرى تم وضعها في صفّ "الخصوم" يوماً ما.
ولهذا، فإن ما قد يحمله المشهد من تبدّلات لا يُمكن فصله أبداً عن حيثيات العلاقة بين "حزب الله" وباسيل، وبالتالي فإنّ أي حوار قد يحصُل ستكون له تبعات، إما على التحالفات أو على الاستحقاقات، وهذا ما سيظهر بشكلٍ جلي خلال المرحلة المقبلة.