لا تزال تداعيات كلمة رئيس "التيّار الوطنيّ الحرّ" النائب جبران باسيل الأخيرة تتفاعل، وآخر فصولها تصويت نواب تكتّل "لبنان القويّ" في جلسة إنتخاب رئيس الجمهوريّة يوم أمس، بأوراق كُتب عليها "ميشال" و"معوّض" و"معوّض بدري ضاهر" وبدري ضاهر"، والإمتناع عن الإقتراع بالورقة البيضاء التي إنخفض عددها إلى 39، في "رسالة فولكلوريّة" بحسب مراقبين إلى الضاحيّة الجنوبيّة من أنّ طريق الرئاسة يمرّ بباسيل.
وفي حين خرج "حزب الله" عن صمته وشرح في بيان رسميّ تأنيبيّ أسباب مشاركته في جلسة مجلس الوزراء متلافيّاً التطرّق إلى التفاهم الثنائيّ بينه وبين "التيّار"، اعتبرت أوساط سياسيّة أنّه ترك الباب مفتوحاً أمام الحوار، وأشارت إلى أنّه إذا أراد باسيل الإنقلاب على إتّفاق "مار مخايل"، فإنّه يكون قد "انتحر" بيده، فعواقب هذه الخطوة خطيرة سياسيّاً على فريقه.
توازيّاً، يعتبر مراقبون أنّ جلسة مجلس الوزراء الأخيرة أثبتت أنّ باسيل لم يعدّ يتحكّم بالثلث المعطّل، من هنا، أتى ردّه الإنفعاليّ على "الثنائيّ الشيعيّ" و"حزب الله"بشكلٍ خاصّ. ويُضيف المراقبون أنّ هذه مجرّد الخسارة الأولى بالنسبة لفريق "التيّار"، فعند تشكيل الحكومات الجديدة سينخفض تمثيله الوزاريّ مع فقدانه موقع رئاسة الجمهوريّة الذي كان من خلاله يحظى بحقائب سياديّة ويُفخّخ كلّ صيغة وزاريّة بالثلث الضامن. ويُتابعون أنّه سيفقد القدرة على التنسيق مع وزراء "حزب الله" والمونة عليهم في القرارات المهمّة وفي التعيينات الإداريّة.
أمّا في الملف الرئاسيّ، فإنّ الطريقة التي اتّبعها نواب "لبنان القويّ" في جلسة الأمس، عبر التصويت ببعض الأوراق الملغاة أو بأسماء أخرى، يُعلّق عليها مراقبون ويصفونها بـ"المسرحيّة"، فرسالة باسيل ناقصة لـ"حزب الله"، وهو لن يُقدم على انتخاب شخصيّة هي على خصومة سياسيّة واضحة معه ومعارضة للنهج الذي حكم على أساسه الرئيس السابق ميشال عون. ويُضيف المراقبون أنّ "التيّار" غير قادر على إيصال مرشّحه، وتهديد باسيل بالتصويت بغير الورقة البيضاء وبغير مرشّح فريق الثامن من آذار مجرد "عنتريات" إعلاميّة، وهذا ما تجلّى بوضوح يوم أمس، فوجّه نوابه لوضع أوراقٍ لا تُشكّل فارقاً في نتيجة الإنتخابات.
ويلفت المراقبون إلى أنّ الخطر الوحيد الذي يُمكن أنّ يُشكّله باسيل على "الحزب"، يقوم عبر التقارب من معراب والإتّفاق مع "القوّات اللبنانيّة" مُجدّداً، وهو أمرٌ مستبعدٌ، لكّن المصالح السياسيّة تبقى قائمة لدى الفريقين على الرغم من الخلاف السياسيّ الذي وصل في بعض الأوقات بينهما إلى حدّ العداوة، وخصوصاً إذا قرّرا إيصال مرشّحٍ يحظى أوّلا بالميثاقيّة المسيحيّة وغير خاضعٍ لإرادة "حزب الله".
وبالعودة إلى التبعات السياسيّة التي ستترتب على "الوطنيّ الحرّ" إنّ اتّجه إلى الضغط على "حزب الله" من خلال الطلاق معه، يُشير مراقبون إلى أنّ أوّل تأثير سلبيّ على باسيل سيكون تطيير حلمه الرئاسيّ مستقبلاً، لأنّه من دون نواب "الوفاء للمقاومة" يستحيل أنّ يُنتخب، إضافة إلى أنّه "مكروهٌ" من بقيّة الكتل النيابيّة. في المقابل، يرى المراقبون أنّه ربما ينجح في رفع العقوبات الأميركيّة عنه، وهذا أصلاً يبقى هدفاً له على الرغم من إنكاره للأمر.
وتسأل أوساط سياسيّة باسيل من أنّه من دون دعم "حزب الله"، ومن دون حلفائه، كم كان سيكون عدد نواب كتلته؟ وتُتابع: "هل تناسى أنّه فقد الأكثريّة في الشارع المسيحيّ وأصبح يتّكل على الأصوات الشيعيّة في جبيل وكسروان والمتن وبعبدا وزحلة وبعلبك - الهرمل، وعلى رفع جمهور "حزب الله" للحاصل الإنتخابيّ الذي يُؤمّن المقاعد النيابيّة لنوابه المسيحيين؟" وتقول الأوساط إنّ حلفاء "الحزب" وفي مقدّمهم رئيس حزب "التوحيد العربيّ" ورئيس "اللقاء الديمقراطيّ" وغيرهم من الشخصيّات السنّية مثل محمد يحيى وحسن مراد لن يتحالفوا معه بإيعازٍ من الضاحيّة الجنوبيّة.
وأمام كلّ ما ذكر، تقول أوساط سياسيّة إنّه يجب على باسيل أنّ يعرف حجمه السياسيّ، ولا ينقصه المزيد من العزلة السياسيّة كيّ لا تتراكم الخسائر عليه، وتدعوه للتواضع لمرّة واحدة والكفّ عن التصعيد، فالوقائع لا تسمح له بفرض شروطه ولا بالخروج عن إتّفاق مار مخايل.
وتختم الأوساط أنّ الجميع من الخصوم والحلفاء اعتادوا على نبرته التصعيديّة، وعند كلّ إستحقاقٍ، يكون يُريد تحقيق هدفٍ على حساب "الحزب". ويبقى السؤال الكبير، هل يُضحّي الأخير بتحالفه مع "الوطنيّ الحرّ" الذي أصبح عبئاً سياسيّاً عليه، أمّ يعمل على ترميم علاقته به كما حصل في العديد من المناسبات السابقة، من باب المحافظة على الحليف المسيحيّ الإستراتيجيّ الذي يحمي ظهر "المقاومة"؟