أصبح واضحاً أنّ جلسات إنتخاب رئيس الجمهوريّة لن ينتج عنها أيّ جديد، وقد تمايز نواب من تكتّل "لبنان القويّ" لأوّل مرّة عن "حزب الله" و"حركة أمل"، فشهدت الجلسة الأخيرة تعادلاً بين الأوراق البيضاء وتلك التي نالها رئيس "حركة الإستقلال" النائب ميشال معوّض. ولم تلقَ حركة "التيّار الوطنيّ الحرّ" الإعتراضيّة على آداء "الحزب" الحكوميّ ترحيباً من "المعارضة" ولم تُشكّل خطراً على "الثنائيّ الشيعيّ" بسبب طريقة تصويته التي رأى فيها مراقبون أنّها لم تُقدّم ولن تُؤخّر في النتيجة وبَقِيَ التعطيل المسيطر في جلسة الإنتخاب. من هنا، جدّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي دعوته للحوار، بانتظار مواقف الكتل النيابيّة من المشاركة أو عدمها لكسر الجمود الرئاسيّ.
ويعتبر مراقبون أنّ الحاجة للحوار أمست ملحّة، وذلك لأنّ الجلسة الأخيرة أظهرت أنّ الخلاف بين مكوّنات فريق الثامن من آذار بدأ يكبر، وخصوصاً بين "الوطنيّ الحرّ" و"حزب الله"، فتدارك الأخير أنّ التوافق السريع هو الحلّ لانتخاب رئيس الجمهوريّة ووضع حدّ للجدل القائم مع حليفه المسيحيّ. في المقابل تبقى مشكلة أساسيّة تُواجه "الثنائيّ الشيعيّ" في الحوار، وهي إستحالة الإتّفاق على إسم رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجيّة، فأسهمه أصبحت متدنيّة أكثر لدى "التيّار" و"القوّات اللبنانيّة"، بعدما شارك وزراؤه في جلسة مجلس الوزراء وأمّنوا النصاب، ما فسّرته أوساط مسيحيّة أنّه خروجٌ عن التوافق المسيحيّ الذي يدعو إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة قبل أيّ شيءٍ آخر، وعدم المسّ بصلاحياته.
ويُشير مراقبون إلى أنّ "حزب الله" يُريد من خلال الحوار طيّ صفحة جلسة حكومة تصريف الأعمال، بعدما لاقى بيانه ردّاً من "الوطنيّ الحرّ" الذي وصف مضمونه بالملتبس. ويرى المراقبون أنّ التوافق لن يكون سهلاً أبداً على الرغم من أنّ كتلاً عديدة تنتظر الدعوة للحوار، فكان لافتاً إنضمام "الكتائب" إلى الساعين له، إنّ من خلال ما سُرّب إعلاميّاً عبر لقاء أمينه العام سيرج داغر مع وفدٍ من "حزب الله"، وإنّ من خلال موقف النائب الياس حنكش المرّحب بالتناقش بين كافة الكتل النيابيّة برعاية برّي.
ويتوقّع مراقبون، إنّ عُقدت طاولة الحوار أو جرت النقاشات المفتوحة في مجلس النواب، الإتّفاق على إسمٍ جامعٍ وسطيٍّ، ويقولون إنّ قائد الجيش يتقدّم على غيره من المرشّحين، فباسيل لن يقبل برئيس مارونيّ يفرضه عليه "الثنائيّ الشيعيّ"، وهذا ثبُت أكثر بعد جلسة مجلس الوزراء. إضافة إلى ذلك، فإنّ نتائج الحوار لن تكون سريعة، وخصوصاً وأنّ الأفرقاء سيقترحون أسماء مرشّحيهم في بادىء الأمر، اما الوصول إلى إسمٍ توافقيٍّ فقد يتطلب وقتاً طويلاً.
وفي السيّاق عينه، ترافقت زيارة باسيل إلى بكركي، بانتقاده رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع، فيما ردّ عليه الأخير بالقول إنّ "الحوار بدو أهل حوار". وفي قراءة أوليّة يتَضح أنّ معراب لا تزال ترفض التوافق على إسم مرشّحٍ مع أفرقاء "العهد" السابق، وتصّر على أنّ يكون النقاش في أروقة مجلس النواب خلال إنعقاد جلسات الإنتخاب. أمّا باسيل، فيعمل على أنّ يكون البطريرك الراعي مُنظّماً لحوار مسيحيّ، يتّفق على ضوئه رؤساء الأحزاب المسيحيّة على دعم مرشّحٍ واحدٍ.
وبين جعجع وباسيل، كان لافتاً قول الراعي "لطالما كنا دعاة حوار ولا حلّ الا بالحوار بين الاطراف فإما بحوار ثنائي بيني وبين كل طرف وإما بحوار جامع، والحوار الجامع تتخلله صعوبات". ويعتبر مراقبون أنّ البطريرك يُدرك أنّ التوصّل لتوافق سريعٍ عبر الحوار الذي سيدعو إليه برّي غير مرجّح، كذلك الأمر بالنسبة إلى جمعه 4 أفرقاء مسيحيين هم على خصومة سياسيّة كبيرة، فجعجع أعلن أنّه لن يتحاور مع باسيل، ويرفض في الوقت عينه إنتخاب فرنجيّة، فيما باسيل لا يزال يُعرّقل تأمين التوافق لرئيس "المردة"، ويتّهم "الثنائيّ الشيعيّ" بالضغط عليه عبر جلسات مجلس الوزراء لكيّ يسير بمرشّحه.
وبعد فشل النواب في 9 جلسات متتاليّة بانتخاب رئيسٍ، تُشدّد أوساط سياسيّة على أنّ دعوة برّي هي محاولة جدّية يجب الإستفادة منها وعدم تطييرها كما في المرّة السابقة، لكنّها تتخوّف من أنّ يقوم باسيل بالتمسّك بالحوار المسيحيّ برعاية بكركي، وخصوصاً بعد الجدل الذي دخل فيه مع "حزب الله" و"حركة أمل"، فترى الأوساط أنّه سيتحجج أكثر بحقوق المسيحيين وبأحقيّة أنّ يكون رئيس الجمهوريّة هو الذي يرأس طاولة الحوار الوطنيّ.