على مرأى ومسمع الوفد القضائي الأوروبي الذي يزور لبنان للتحقيق في قضايا فساد مالي وتبيض أموال، وقبل وصول القاضي الفرنسي لمتابعة تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، جرت عملية توقيف الناشط وليم نون، من قبل المديرية العامة لأمن الدولة، بناء على إشارة المحامي العام الإستئنافي في بيروت القاضي زاهر حماده، الأمر الذي أثار موجة غضب واسعة، في أوساط شعبية وسياسية وروحية، أفضت إلى إطلاق سراح نون.
بصرف النظر عن الأسباب التي استند إليها القاضي لتوقيف نون، والتي أتت على خلفية إلقاء الحجارة باتجاه زجاج مبنى قصر العدل، ما أدى الى تحطيم الزجاج، وإطلاقه عبارة أثناء تظاهرة أهالي ضحايا المرفأ "بدنا نكسر العدلية"، وما إذا كانت هذه الأفعال تستدعي توقيف نون، خصوصًا أنّها حصلت كردة فعل على عمل جرمي أودى بحياة أخيه الشهيد جو نون، وعشرات الضحايا، فيما القتلة لا زالوا خارج قضبان السجن. تتجه الأنظار إلى خلفيات أخرى قد تقف خلف توقيف نون في هذا التوقيت، ربطًا بمعركة رئاسة الجمهورية، وفي محاولة لتوريط الجيش في مواجهات في الشارع، وفي السياق نفسه تندرج حادثة الإعتداء على الأب جورج صوما، على أوتوستراد جبيل، من قبل عناصر من الجيش، خلال مشاركته في وقفة احتجاجية على توقيف نون، حيث تشير جهات مراقبة إلى أنّ هناك غايات غير بريئة، تقف خلف توقيف نون، ولا تستبعد أن تشهد الساحة الداخليّة أفعالًا مشابهة في فترة الشغور الرئاسي.
من جهة ثانية، يبدو من الطبيعي أن يكثّف أهالي الضحايا تحركاتهم بالتزامن مع وصول القضاة الأوروبيين، في محاولة لتدويل الملف، بعدما شُلّت يد القاضي بيطار من قبل جهات سياسية، وبات ملف انفجار المرفأ بحكم المجمّد إلى أجل غير مسمّى، منذ نهاية العام 2021 جرّاء دعاوى رفعها تباعاً مُدعى عليهم، بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون، ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. فهل يتوسع نطاق التحقيق الأوروبي ليشمل انفجار مرفأ بيروت؟
مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي أوضح في حديث لـ "لبنان 24" أنّ وفد المحققين الأوروبيين القادمين من ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ للتحقيق في قضايا تتعلق بالفساد المالي، لا يحق لهم إطلاقًا الاطلاع على مسار التحقيقات في انفجار المرفأ، حتّى وإن طلبوا ذلك، يحقّ للقاضي اللبناني أن يرفض طلبهم، ويُبقي التحقيقات سرّية.
أضاف ماضي أنّ عمل الوفد القضائي الأوروبي ينطلق من مضمون اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها لبنان عام 2008 "ولبنان ملزم بالتعاون في هذا الشأن، وإلّا تمّ اعتباره دولة مارقة، حيث أنّ جرائم الفساد المالي وتبيض الأموال، جرائم عابرة للحدود، تتطلب تعاونًا دوليًّا، بينما جريمة انفجار المرفأ تختلف كليّا، كونها جريمة محليّة، وبالتالي لا يحق للقضاة الأوروبيين أو غيرهم الإطلاع على التحقيق في هذه القضية".
أمّا بشأن زيارة مرتقبة لقاضي تحقيق فرنسي أو قاضيين في الثالث والرابع والعشرين من الشهر الحالي، بقصد الاستفسار عن معلومات طلبها القضاء الفرنسي، واستنابات قضائية أُرسلت إلى لبنان، في إطار تحقيق تجريه فرنسا بشأن انفجار مرفأ بيروت، يوضح القاضي ماضي هنا أنّ هذه الزيارة هي استطلاعية، للسؤال بشكل عام عن مسار التحقيقات "خصوصًا وأنّ هناك فرنسيين من بين الضحايا، وبالتالي القاضي الفرنسي صاحب مصلحة تسمح له بالسؤال عن تحقيقات المرفأ. ورغم ذلك، لا يحق للقاضي الفرنسي الإطلاع على المستندات والتحقيقات، بل أقصى ما يمكن أن يطرحه هو السؤال عن الإطار العام، كما أنّ القانون اللبناني يمنع قاضي التحقيق اللبناني من الكشف عن مجريات التحقيق".
وكان وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري قد أكّد في مؤتمره الصحافي موعد الزيارة، موضحاً أن الترتيبات المتعلقة بها وكيفية التعامل معها تعود إلى النيابة العامة التمييزية.