مع كل ارتفاع في سعر صرف الدولار في السوق الموازية، ترتفع أصوات الموظفين المطالبين بتحسين رواتبهم ووضعهم الإجتماعي. وعلى الرغم من أن الحكومة، ومنذ بداية الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها لبنان، والإنهيار المستمر في سعر الصرف، عمدت إلى إقرار زيادات وبدل غلاء معيشة للموظفين، إلاّ أن المشكلة بقيت مُستعصية على الحلول في القطاع التعليمي.
فقطاع التعليم لا ينفك، ومع بداية كل عام، عن المطالبة بزيادات على الرواتب وعلى الدرجات، مهدداً بالاضراب، قد عاد اليوم إلى النغمة نفسها، واضعاً التلاميذ في مهبّ ضياع العام الدراسي. ولعلّ واقع تلامذة المدرسة الرسمية، خير دليل على ما قد يصيب جميع الطلاب، في هذا الوطن المتجه حتماً وبشكل سريع نحو الهاوية.
ففي القطاع العام، ما كاد الأساتذة يعودون إلى صفوفهم في تشرين الثاني من العام الماضي، حتى عادوا وأعلنوا الإضراب المفتوح مع بداية العام، رافضين كل الحلول التي عرضتها وزارة التربية، إذ اعتبروا أن هذه العروض، هي وعود غير قابلة للتطبيق من جهة، في حين أن الأرقام المطروحة على الطاولة غير مُجدية ولا تعطي الأستاذ حقه، لا سيّما منهم الأساتذة المتعاقدين.
ومن هذا المنطلق، عملت وزارة التربية على إيجاد مخرج لكلّ هذه المشاكل، حيث كشف وزير التربية والتعليم الدكتور عباس الحلبي، عن وجود اقتراحٍ بأن يكون هناك سعر "صيرفة" خاص بقطاع التربية وموظفي القطاع العام ويخوّلهم بأن يحصلوا على جزءٍ من رواتبهم على أساسه.
إلاّ أن الخلافات المتجسّدة في النقابات العاملة في هذا القطاع، جعلت من الصعب، الحصول على موقف موحد منها إزاء قرار وزير التربية، الذي من المتوقع أن يطرحه الوزير الحلبي على مجلس الوزراء في أولى الجلسات التي ستعقد لبحث الملف التربوي.
ففي حين اعتبرت بعض المجالس أن ما يقترحه وزير التربية، قد يكون قاعدةً لحل المشكلات المالية العالقة، رفضت مجالس تعليمية أخرى الأمر، مكتفيةً بالتصعيد للحصول على مطالبها كافة، رافضةً الحلول الوسطى، فيما تمنّت مجالس أخرى العودة إلى الإجتماعات المفتوحة لاتخاذ القرار المناسب.
وما بين هذا المجلس وذاك، تمرّ الأيام سريعاً والتلاميذ بعيدون كل البعد عن مقاعدهم الدراسية، يرون العام الدراسي يمرّ أمام أعينهم من دون أن يستفيدوا منه.
أمّا بالنسبة إلى التعليم الخاص، فالوضع ليس بأفضل حال، على الرغم من أن الأساتذة قد نالوا بعضاً من حقوقهم بالدولار "الفريش"، نتيجة ما عُرف بالصندوق التعاضدي الذي أنشىء في كل مدرسة، والأقساط التي سددها الأهالي بالدولار، إلاّ ان هذا الأمر لم يعد كافياً اليوم، لا سيّما بعد الإجتماع الذي عُقد الأسبوع الماضي للجنة المؤشر برئاسة وزير العمل مصطفى بيرم، والتي أقرّت زيادة غلاء معيشة للقطاع العام، من دون أن تشمل هذه الزيادة رواتب المعلمين، الذين لم تشملهم أيضاً الزيادات التي أُعطيت لأساتذة القطاع العام مع بداية السنة الدراسية، وهو ما أدى إلى رفع صوت الأساتذة عالياً، مهددين، وعلى لسان نقيبهم نعمة محفوض، بالإضراب إن لم يحصلوا على الزيادات التي أُقرّت، مع التلويح بالإتجاه إلى إنهاء العام الدراسي، ما دفع بالعديد من المدارس إلى إعادة دراسة ميزانيتها، والحديث عن زيادات في الأقساط ، لن تطال فقط الشقّ الذي يُدفع بالليرة اللبنانية، بل أيضاً الشقّ المتعلق بالدولار.
وعليه تبقى الأنظار متجهة إلى ما قد يصدر عن الحكومة في الأسابيع المقبلة، من اتفاق مع اساتذة التعليم العام أو الخاص، بما يضمن نهاية سلسلة للعام الدراسي، وبالتالي، فالمطلوب اليوم وسريعاً، المحافظة على الصرح الأخير الذي لا يزال يحارب هذه الأزمات، والصامد على الرغم من الانهيار، لأنه متى انهار هذا القطاع كلياً، انهار الوطن.