خلال أقلّ من 24 ساعة، استقبل البطريرك الماروني بشارة الراعي كلاً من رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ورئيس تيار "المردة" الوزير السابق جبران باسيل، في زيارتين "منفصلتين" في الشكل، "متصلتين" في المضمون، باعتبار أنّ استحقاق الانتخابات الرئاسية كان الطاغي على اللقاءين، رغم "زحمة" الملفات الضاغطة، وآخرها التطورات الدراماتيكية في ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت.
صحيح أنّ المواقف التي أطلقها باسيل وفرنجية بعد لقاءيهما مع البطريرك الراعي لم توحِ بحدوث أيّ "خرق" يكسر "الجمود"، الذي فشل اعتصام نواب "التغيير" في ضربه، بعد إحجام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الدعوة إلى جلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية هذا الأسبوع، إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ الزيارتين، من حيث الشكل قبل المضمون، دلّتا على مروحة من "التشاور" قد تكون انطلقت على المستوى المسيحي.
وفي وقتٍ كان لافتًا أنّ الرجلين اللذين اعتبرا اللقاء مع الراعي "مثمرًا"، أبديا المرونة والليونة إزاء أيّ تفاهم أو حوار يفضي لانتخاب رئيس، فإنّ العديد من علامات استفهام تُطرَح حول ما إذا كان لقاءا بكركي سيبقيان "معزولَين" عن كلّ ما عداهما، أم سيؤسّسان لتشاور أشمل مسيحيًا، وربما وطنيًا، وأبعد من ذلك، ما إذا كانا يمهّدان ربما لـ"مبادرة رئاسية" جديدة، قد يكون البطريرك الماروني في صدد العمل على إطلاقها.
موقف بكركي "واضح"
يقول العارفون إنّ موقف بكركي واضح، وقد عبّر عنه البطريرك الماروني في أكثر من مناسبة بما لا يحتمل اللبس، تمامًا كما يعبّر عنه في عظات الأحد الأسبوعية، حيث يؤكد على "أولوية" إنجاز الانتخابات الرئاسية وفقًا للأصول القانونية والدستورية، وعلى "مسؤولية" النواب السياسية والأخلاقية في إتمام الاستحقاق وفقًا لمبادئ الديمقراطية، بعيدًا عن "البِدَع" التي يلجأ إليها البعض، فتكرّس "الفراغ" إلى ما شاء الله.
تحت هذه الثوابت العامة، فإنّ البطريرك الراعي، وفق ما يقول المتابعون، جاهز لأيّ دور يمكن أن يلعبه، خصوصًا على المستوى المسيحي، لكنّ ذلك لا يعني أنّه مستعدّ لتكرير تجارب سابقة، سواء لجهة احتضانه "حوارًا" يجمع "زعماء الطائفة"، في سيناريو غير مطروح في ظلّ الظروف الراهنة، أو حتى لجهة تقديمه سلّة من أسماء المرشحين للتوافق على أحدهم، لأنّه يعتبر أنّ هذا الدور ليس دوره ولا المسؤولية مسؤوليته.
من هنا، يشير هؤلاء إلى أنّ "المشاورات الثنائية" ستبقى الطاغية، حيث سيؤكد الراعي أمام من يلتقيهم على وجوب تصدّي النواب لمسؤولياتهم، والسعي لتأمين التفاهم المطلوب، ولو بحدّه الأدنى، في سبيل انتخاب رئيس، علمًا أنّ مواقف فرنجية وباسيل "تقاطعت" عند وجوب الذهاب إلى تفاهم واسع، من مبدأ عدم تخطّي المكوّن المسيحي وفق باسيل، أو لكون الأكثرية تحتاج إلى 65 صوتًا لا أحد يملكها الآن، وفق فرنجية.
"رسائل لافتة" لفرنجية
في هذا السياق، يتوقّف العارفون عند "الرسائل اللافتة" التي حملتها زيارة رئيس تيار "المردة" إلى بكركي والمواقف التي أطلقها، حيث حرص على التأكيد أنّه ليس "مرشح حزب الله"، وأنه "يسعى ويريد" أن يكون مرشحًا توافقيًا، وأنه لن يسحب ترشيحه طالما أنه لم يعلنه أصلاً، مع تأكيده مرّة أخرى على التزامه باتفاق الطائف، وبالعلاقات الممتازة مع الدول العربية، وكلها رسائل صُنّفت "إيجابيّة" على أكثر من مستوى.
ومع أنّ الأمر لم يَخلُ من بعض "الغمزات" لباسيل الذي كان قد جدّد عشية زيارة فرنجية للراعي، الحديث عن رفضه لفكرة "تخطي المكوّن المسيحي"، حيث تفهّم فرنجية وجود "أسباب" تدفع باسيل لرفض تأييده، "فالأمور أكبر من قدرته الاستيعابية"، إلا أنّ رسائل رئيس "المردة" بقيت "مضبوطة" بسقف واضح، هو سقف الحوار والتفاهم، حتى إنّه قال إنّه سيدعم النائب ميشال معوض في حال انتخابه رئيسًا للجمهورية.
وعلى "إيجابية" هذه الرسائل، يقول العارفون إنّ أيّ خرق لم يحصل بعد على ما يبدو، فالزيارتان لم تكونا "منسّقتين"، علمًا أنّ فرنجية كان قد رتّب موعد زيارته إلى بكركي قبل زيارة باسيل، وأرادها "لتوضيح" بعض الأمور، في ضوء سجالات الأيام الأخيرة، في حين أنّ باسيل حين صوّب على فكرة "تخطي المكوّن المسيحي" بدا كمن يكرّر ثابتة "رفضه لفرنجية"، خصوصًا بعدما لمس أنّ "حزب الله" لا يزال متمسّكًا به.
في ظلّ الانشغال بالأزمة القضائية العميقة، التي خطفت الأضواء من الحراك الرئاسي الغائب، وحتى من الاعتصام المفتوح لنواب "التغيير"، الذي تحوّل في أحد جوانبه إلى مجرد "بروباغندا"، جاءت زيارتا بكركي لتعيدا "جدولة" الملفات، فالانتخابات الرئاسية تبقى "في الصدارة"، والتفاهم لإنجازها مطلوب، لا مسيحيًا فحسب، ولكن وطنيًا أيضًا، فهل تتوافر الإرادة أخيرًا، فيعقد الحوار الذي بات يُنظَر إليه بوصفه "مدخلاً إلزاميًا" للحل؟