يبدو من الواضح جداً ان البطريركية المارونية تعيش خلال هذه الأيام نوعاً من الارتباك ، وهذا ما قد يكون نتيجة طبيعية لسوء الأيام التي يمرّ فيها لبنان ولكثرة المشاكل التي وَجب على بكركي ان تدخل في تفاصيلها محاولة ايجاد الحلول، مع العلم ان السنوات الاخيرة في لبنان شكلّت ولاّدة للأزمات من دون ظهور اي حلول تذكر.
وامام هذا الضياع ، لا يمكن القاء الملامة على سيد الصرح البطريركي، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، فرؤيته لكل ما يمرّ فيه لبنان والتماسه للالام التي يعانيها المواطنون فيه من المسيحيين وغير المسيحيين، يجعلانه يطرح الف سؤال وسؤال.
لكن قبل الدخول في الأسئلة الوجودية التي تطرحها بكركي، لا بد من التوقف قليلاً عن مشهدية الاحتفال بعيد القديس مارون، وفي هذا الاطار لا بد من السؤال عن الشخصية التي نصحت مطرانية بيروت ان تحتفل بعيد شفيع الموارنة في ظل غياب اي حضور رسميّ.
ولا بد من السؤال عمن قال لها ان مار مارون شفيع حصريّ للكرسي الأول في البلاد، وعمن قال لها ايضاً، انه لا يجوز حضور رئيسيّ المجلس والحكومة الى القداس التقليدي الذي تذهب رمزيته أبعد بكثير من تمثيل طائفي، لتطال تأسيس وطن مبنيّ أساساً على التعددية والانفتاح.
وبحال كُشفت هوية من نصح ابرشية بيروت المارونية للذهاب الى هذا السلوك، لا بد من القول له انه دفع أبرشية بيروت ومن خلفها الكنيسة المارونية الى دعسة ناقصة، فالتمثيل الرسميّ في قداس مار مارون، وبغض النظر عن رضى البعض عنه من عدمه، يدّل على التمسك بالمؤسسات والدولة التي يشكل الموارنة ركناَ اساسياً منها.
وبالعودة الى بكركي، والى الواقع العام المرتبط بملف الشغور الرئاسي، يشير مصدر مطلع لـ"لبنان 24" الى "انه لا مهرب امام بكركي من طرح الدعوة الى لقاء مسيحي، بغض النظر عن الطريقة والأسلوب وعن النتيجة في الوقت عينه، فما كان يحاول البطريرك الراعي تجنبه مرددا أكثر من مرة انه لن يقع في الفخ نفسه الذي سبق ووقع فيه سلفه المثلث الرحمة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وقع فيه بفعل فاعل او بفعل محاولات البعض لاستغلال خوف بكركي المشروع حول الواقع المسيحي لناحية الدور والوجود.
وبالتالي، من المرجح ان تذهب بكركي الى الدعوة لاجتماع مسيحي من باب عدم الامكانية للتراجع بعدما بات الموضوع واضحاً للعلن ومعلوماً من قبل الجميع.
وفي هذا المجال، لا بد من التوقف عند عدة نقاط أبرزها متعلق بالتردد او التريّث في الدعوة، وهذا ما يبدو غريبا عن بكركي وتاريخها، على الرغم من ان الهدف من التريّث واضح وصائب.
فهل باتت بكركي تخشى فعلا الا يستجيب النواب المسيحيون الى دعوتها؟ ام انها تعلم جيداً ان هناك بعض المسيحيين الذين يرغبون في استغلال هذه الدعوة لاظهار نفسهم كالاطفال المطيعين، على الرغم من ان علاقتهم بالصرح البطريركي لا تتخطى المصالح الضيقة المرتبطة بالمراكز والمناصب وغيرها؟
وهنا لا بد من الاشارة الى ان القادة الموارنة وعلى الرغم من اختلافهم في الكثير من الاحيان مع بعض البطاركة، لم يضعوا بكركي في موقف حرج أقله في الشكل، فلماذا كل هذا التريّث اليوم من قبل البطريركية"؟
ويضيف المرجع " كما انه لا بد من التوقف عند الخطوات السابقة للدعوة التي قد توجهها بكركي والتي تمثلت في لقاءٍ مسيحيّ روحيّ جامع، أظهر البطريركية المارونية وكأنها بحاجة الى غطاء كنسيّ من المذاهب المسيحية الأخرى، حتى تتمكن من التواصل مع النواب المسيحيين من غير الموارنة، مع العلم ان قنوات التواصل بين بكركي ومختلف مكونات هذا الوطن ووفقا للعرف، يجب ان تكون مستمرة ومفتوحة دائما وبدون حاجة لأي وساطة او وسيط.
لذلك وامام كل ما تقدم، يبدو ان هناك، ولغاية في نفس يعقوب، من يحاول دفع بكركي والموارنة بطريقة اوأخرى الى دعسات ناقصة غير مستحبة وقد لا تحمد عقباها.