طغى إعتزال الرئيس سعد الحريري السياسة على إحياء ذكرى الرابع عشر من شباط، فاحتشد جمهور تيّار "المستقبل" أمام ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لعلّ رئيسه يُلقي كلمة سياسيّة أو يُعلن أمامهم عن عودته إلى لبنان وإستئنافه العمل في الشأن العامّ اللبنانيّ.
وفي السيّاق عينه، سارع رئيس الحزب "التقدميّ الإشتراكيّ" وليد جنبلاط، ووفد كبير من نواب "الجمهوريّة القويّة" إلى لقاء الحريري في بيت الوسط، وخصوصاً بعد محافظته على صمته وعدم تطرّقه إلى المواضيع المهمّة في البلاد في وسط بيروت، في محاولة منهم لحثّه على الرجوع عن موقفه، وفي دلالة مهمّة على أنّهم يُعانون سياسيّاً من دون حليفهم السنّي السابق. إلى ذلك، اجتمع الحريري أيضاً في لقاء مطوّلٍ مع حليفه الوحيد في 8 آذار رئيس مجلس النواب نبيه برّي في عين التينة.
ولم يتبدّل شيء في موقف الحريري، في ظلّ حاجة "القوّات اللبنانيّة" والحزب "التقدميّ الإشتراكيّ" و"حركة أمل" له، إذ يرى مراقبون أنّ عودته من شأنها توجيه النواب السنّة سياسيّاً، وخصوصاً وأنّهم سارعوا للقائه على الرغم من أنّهم خاضوا الإنتخابات النيابيّة خلافاً لرغبته. ويقول المراقبون إنّ جنبلاط وسمير جعجع مأزومان من دون حليفٍ سنّيٍ قويّ، وقد أثبتت المشهديّة في وسط بيروت أنّ الحريري لا يزال يتمتّع بحيثيّة مهمّة في الشارع السنّي، وقادر في الإنتخابات المقبلة على توحيد النواب السنّة وترؤس كتلة وازنة تلعب دوراً بارزاً في الإستحقاقات الدستوريّة.
ويُضيف المراقبون أنّ "المعارضة" فشلت في توحيد جهودها رئاسيّاً بسبب تمايز النواب السنّة و"المجتمع المدنيّ"، وهناك مآخذ كثيرة من داعمي رئيس "حركة الإستقلال" النائب ميشال معوّض على آداء كتلة "الإعتدال الوطنيّ". فلو كان الحريري رئيس كتلة "المستقبل"، لما كان الوضع السنّي على ما هو عليه نيابيّاً، خلافاً لما أعلنه عن أنّ النواب السنّة لا يتحمّلون مسؤوليّة الفراغ الرئاسيّ. ويُشير المراقبون إلى أنّ الحريري من خلال إعتزاله أبدى إنزعاجاً كبيراً من طريقة إدارة "حزب الله" لشؤون البلاد، وربما كان سيتوجّه إلى دعم معوّض مع إنتقاله إلى خندق "المعارضة"، وعدم رغبته في إنتخاب رئيسٍ من محوّر "الممانعة".
ولكن في المقابل، رأت أوساط سياسيّة أنّ مسارعة كلّ من جنبلاط وبرّي إلى لقاء الحريري هدفها ثنيه عن قراره السابق، لأنّ وجوده مهمّ جدّاً في إبرام التسويّات السياسيّة وإنهاء الأزمة الرئاسيّة. ولا يُخفى على أحد أنّ كتلة "المستقبل" كانت داعمة سابقاً لوصول رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجيّة إلى سدّة الرئاسة، وفي الوقت الراهن، لم يصدر أيّ إعتراض من قبل النواب السنّة الحاليين "المعارضين" بشأن الإقتراع له، بشرط التوافق على إسمه.
وترى الأوساط أنّ الجوّ العامّ السنّي هو مماثل لما كان عليه قبل إنتخاب الرئيس السابق ميشال عون عام 2016، فهناك أغلبيّة سنّية من "المعارضة" ومن فريق "الممانعة" تُريد إيصال فرنجيّة. وتعتبر هذه الأوساط أنّه على الرغم من عدم خوض "المستقبل" للإنتخابات، لا يزال النواب السنّة يلتقون حتّى لو كان هناك إختلاف في ما بينهم، كذلك، فإنّهم يدعون للحوار والتوافق لاختيار الرئيس المقبل.
ويلفت مراقبون إلى أنّه من خلال لقاءاته مع جنبلاط و"القوّات" وبرّي، لم يحسم الحريري من هو حليفه، فهو فتح بيته أمام الجميع، من مناصريه إلى النواب الحاليين والسابقين.
الحريري الذي غادر لبنان إلى دولة الإمارات، اراد من خلال تركيزه على العمل الإجتماعيّ والإنمائيّ، توجيه رسالة أنّه ليس بحاجة إلى حلفاء في السياسة، وخصوصاً وأنّه جدّد دعوته لكافة الأفرقاء من أصدقاء وخصوم إلى ترك السلطة وإعطاء فرصة للشعب الذي ثار في 17 تشرين الأوّل 2019 لبناء لبنان الجديد.
ويختم المراقبون قولهم إنّ السعوديّة لم يصدر عنها أيّ موقف بمناسبة الذكرى الـ18 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، في دلالة واضحة على أنّها لا تزال تُعارض عودة الحريري إلى الحياة السياسيّة، إذ أنّ لا شيء يُوحي بأنّ المشهد الداخليّ في لبنان قد تبدّل بالنسبة إليها، لا سياسيّاً ولا إقتصاديّاً ولا معيشيّاً، في ظلّ إستمرار تعطيل الفريق عينه أيّ "حزب الله" للإنتخابات الرئاسيّة والإستحقاقات الدستوريّة.