Advertisement

لبنان

طلاب المدارس الرسمية.. كبش فداء يحترق وهذا الثمن!

بيترا رزق - Petra Rizk

|
Lebanon 24
20-02-2023 | 02:30
A-
A+
Doc-P-1040302-638124799936897347.png
Doc-P-1040302-638124799936897347.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger

أكثر من 40 يوماً مرّ والحياة غائبة عن المدارس الرسمية.. الأروقة، الردهات، الفناء والفصول كلّها تغوص بصمت مميت؛ لا طلّاب هنا ولا عودة مرتقبة لهم في القريب العاجل. كراريسهم أُغلقت، أماكنهم أُفرغت وصفوفهم أُقفلت فباتوا قسراً "عاطلين عن التعلّم" لأجل غير مسمّى.

مصير حوالى 350 ألف تلميذ لبناني معلّق بين كباش وزارة التربية والأساتذة الملاك والمتعاقدين في التعليم الرسمي. وبين كسب الوقت وتحصيل الحقوق، أضحي بالطالب "كبش فداء"!

 

"اشتقنا لجوّ الصف"

كلّ يوم إضافي من الإضراب يزيد هواجس الطلاب وقلقهم حول مستقبل يتخبّط في أسوأ مراحل البلاد، فهم وإن عادوا الى مقاعدهم الدراسية لا شيء يضمن لهم تمكّنهم من الاستمرار في التعلّم في ظل غلاء أقساط الجامعات الخاصّة والإضرابات المتواصلة في "الجامعة اللبنانية". وتقول أماندا، إبنة السبعة عشر عاماً والطالبة في صف الشهادة الرسيمة، إنها "تتشوّق للعودة الى المدرسة بالرغم من ضغط الدروس الهائل الذي ستتعرّض له للتعويض عن فترة الإضراب"، كاشفة لـ"لبنان 24" أن "قلقها يتخطّى اجتياز الامتحانات الرسمية ونيل الشهادة، إذ أنها غير مدركة أين ستتابع دراساتها العليا، وهل ستتمكن من تغطية تكلفة التعلم في الجامعات الخاصة".

 

بدورها، تسارع كريستينا بالقول "اشتقنا لجو الصف"، عند سؤالها عن العودة للثانوية. إبنة الخمسة عشر ربيعاً تنتظر بفارغ الصبر لقاء رفاقها في الصرح التعليمي لتبادل الأحاديث المباشرة معهم، وتضيف الفتاة: "نتسلّى في المنزل، لكننا نخسر عاماً دراسياً"، مشيرة الى أن "أراء صديقاتها تختلف، فالبعض لا مانع لديه في البقاء بلا مدرسة بينما البعض الآخر يريد العودة واستكمال سنته الدراسية".

وعن تجربة التعلّم عن بعد، وعما إذا كانت ترغب بتكرارها، تشير الفتاة إلى أنها كتجربة لم تكن سيئة بالنسبة لها، غير أنها تفضل التعليم الحضوري نظراً لتردي خدمة الانترنت في لبنان. وتتابع: "في الأونلاين كما في المدرسة، إن أردت أن أركّز على الشرح أستطيع فعل ذلك، لكننا اكتشفنا حيلاً للتغيّب والتلهّي، كفصل الإنترنت عمداً عن اللابتوب".

 

ماذا عن العودة لـ"الاونلاين"؟

طلّاب لبنان وخاصة في المدارس الرسميّة عانوا الأمرّين منذ كورونا وصولاً للتحرّكات المطلبيّة؛ فالتحديّات التي تعايشوا معها خلال تجربة "التعلم عن بعد" لم تكن بالسهلة. إنقطاع التيار الكهربائي المستمرّ، ضعف خدمة الإنترنت واشتداد الأزمة المعيشية.. عوامل أحبطت تحويل "الأونلاين" بديلاً عن "الحضوري".

 

التجربة أثبتت عدم فاعليتها في لبنان، تؤكّد ماريا، أمّ ومعلمّة رياضيات في ثانوية رسميّة. وتوضح لـ"لبنان 24" أن "نسبة الجديّة لدى التلاميذ لم تتخطّى الـ20% كحدّ أقصى،فمن كانوا يدوّنون ملاحظات ويشاركون خلال الحصّة عددهم قليل".

تستكمل تفسيرها: "بسبب الأونلاين اعتاد التلاميذ على عدم الكتابة، عدم التحليل وعدم التفكير. حضور الحصص بات كمشاهدة التلفاز، لا أحد بإمكانه إجبار الطالب على الكتابة وبالتالي أصبح بطيئاً في التحليل والكتابة وهذا ما لاحظناه لدى العودة الى الدروس الحضورية. فمن كان مميزاً بأدائه في الصف، تراجع مستواه. لم يعد وقت المسابقات كافياً بالنسبة لهم، فالتحليل يتطلب وقتاً أكثر والكتابة أصبحت تتعبهم فيتذمّرون". وتتابع: "لتجاوز هذه الحالة، استعادة النمط المعتاد وتحسين مستوى الطلاب يتطلب الأمر أكثر من سنة".

ومع أن فكرة العودة للأونلاين "مرفوضة" بالنسبة لها، تشير إلى أنها خلال تلك المرحلة تمكّنت من منح التلاميذ "كميّة معلومات" أكثر مما أعطي لهم هذا العام وحتى في السنة الفائتة. إلّا أنها لا تخفي "عدم استيعاب" التلاميذ لمعظم ما شرح أونلاين، وتقول: "تبيّن أننا شرحنا دروسا أكثر كعدد لكن "استيعاب" المواد لم يكن على قدر التوقعات، مما استدعى إعادة تفسير للنظريات العلمية عند العودة الحضورية"، مضيفة: "هذا العام كان لافتاً التحسّن عن السنة الماضية من حيث السرعة، فخلال الشهرين والنيف اللذين تابعنا بهما الدروس بشكل متواصل، كان العمل التطبيقي أفضل مما سبق".

بالرغم من كون ابنتها طالبة في الثانوية وأي اضراب يوثّر على مستقبلها، لا تؤيد ماريا العودة الى التعليم في ظل الظروف الراهنة. وتقول: "صحيح أن ابنتي تخسر عامها مع استمرار الإضراب ولكن كيف سأتمكّن من تعليمها إذ لم تتوفر الإمكانيات المادية لذلك؟ ابنتي تظلم بفعل الاضراب وأنا أظلم أيضاً بسلب الحقوق". وتستطرد موضحة: "انا أثق بالمدرسة الرسمية ولولا ذلك لما سجّلت ابنتي بثانوية رسمية".

وفي سياق الحديث عن حلول موقتة كالتعليم خلال أيام محددة من الأسبوع، تلفت الى أن "المنهج التعليمي بحاجة لأسبوع من التعليم كي يستكمل في نهاية العام، فكيف نقلّص الساعات؟ هذا المقترح يقضي بتعليم كل مادّة مرة كل اسبوع او أسبوعين". وتشير الى ان "الفرص الطويلة التي يحصل عليها التلميذ لا تفيده، بل انها تفقده القدرة على التركيز وتزيد من استلشائه".

أما بشأن الامتحانات الرسمية وكيفية إجرائها مع استمرار تعليق الدروس، توضح أن مركز البحوث والدراسات التربوية يحدد تسلسل الفصول الموجب اعتماده في كل لبنان، وعند الاضطرار لتقليص مواد من المنهج، تحذف الدروس الموضوعة في آخر التسلسل"، معتبرة أنه نتيجة الاضراب، قد تضطر وزارة التربية لحذف مواد من المنهج.

 

العام الدراسي.. انتهى؟

العودة إلى التعليم، عن بعد أو حضورياً، كما هو الوضع الحالي مستبعد والأجدى قوله إن العام الدراسي شارف على الانتهاء. وتؤكّد رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، نسرين شاهين، في حديث لـ"لبنان 24" أن الإضراب مستمرّ، مشيرة الى أن "العام الدراسي بمثابة المنتهي، فحتى الروابط المسيسة باتت تعلن الاستمرار بالاضراب أسبوعاً تلو الآخر، كأنها تراهن على قدرة الأساتذة على التحمّل".

وتكشف شاهين عن محاولة البعض فك الإضراب عبر الإغراءات والتهديدات، لكن اصرار الأساتذة فرض الاستمرار بالاضراب"، متأسفة لكون التلامذة الحلقة الأضعف.

وفي ما يخصّ الامتحانات الرسمية، تعتبر أن ما يحصل كارثة تربوية، موضحة أنه إن أجريت هذه الامتحانات فستأتي النتائج على غرار العام الفائت؛ أي أننا سنشهد حصول 80% من الطلاب على تقدير جيد وجيد جداً لأنهم أنهوا المنهج واختاروا مواد معينة لإجراء امتحان بها.

كما تلفت الى أن من يحدد القيمة التربوية للشهادة الرسمية في لبنان هو وزير التربية، الذي وبحسب قول شاهين"لا يضع الحلول بمسارها الصحيح فنحن لا نطالب الدولة اللبنانية لأننا ندرك أنها عاجزة، إنما نطالب من اموال الجهات المانحة التي وصلت وبوفرة لكن لحد اليوم لم يفرج عنها".

 

الكبش يحترق.. الطالب وحده يدفع الثمن

بعيداً عن الأخذ والردّ والتجاذبات الدائمة بين الهيئات والروابط التعليمية ووزارة التربية، مصير الطلاب يترقّب الفرج.. ولكن ما تكلفة هذا الانتظار القسري المطوّل؟

الاختصاصية بعلم النفس، كاندي أبو سرحال، توضح لـ"لبنان 24" أن "البقاء في المنزل يخلق عادة لدى الطلاب بعدم الذهاب للمدرسة والخمول فإهمال الجانب التعليمي. وإذا كان الطالب متفوقاً، هذا الوضع سيضعه في جو من التوتر والقلق لشعوره بعدم قيامه بأمر مهم؛ هذا القلق قد يتطوّر الى كآبة على المدى البعيد".

وعدا عن أن بقاء المراهقين في المنزل لفترة طويلة قد يضاعف حجم المشاكل مع الأهل وما قد ينتج عنها من عنف لفظي أو حتى جسديّ، تأتي الأزمة والأوضاع الاقتصادية لتفاقم الحال؛ فهؤلاء سيجدون أنفسهم "محتجزين" في البيت ولا قدرة مادية لديهم للذهاب الى السينما والمطاعم والمنتزهات وقت ما شاؤوا.. هنا تبدأ مرحلة الاكتئاب الفعليّة! قلّة النشاط والحماس تبرز، اضطرابات الطعام تجد لها سبيلاً وكل ما يعاني منه الطالب من اضطراب نفسي سيظهر الى العلن. الأمر أخطر مما تتخيّلون، فقد يصل البعض بتفكيره للانتحار، كما انه قد يتخطى ذلك محاولاً وضع حدّ لحياته!

إلى ذلك، تلفت أبو سرحال الى أن تنظيم أوقات الطلاب سيتبدّل إثر الإضراب.. لا ضرورة بعد الآن للاستيقاظ باكراً! مفهوم الانتاجية يتغيّر: "الوعية" بلا توقيت، لا مدرسة أي لا حاجة للتهيؤ للخروج من المنزل ولا لزوم للقيام بالمهام المعتادة كالكتابة والقراءة والتحليل حتى لا حاجة للقاء الأصدقاء في وقت الفرصة، ثمّ متابعة العمل (الدراسة) قبل العودة الى المنزل. هذا ما يؤثّر بشكل مباشر على مستقبلهم؛ فكيف لمن اعتاد الخمول وقلة العمل أن يجد لنفسه وظيفة ويلتزم بدوام صارم؟!

وتذكّر أبو سرحال بفترة كورونا والتي اعتمدت فيها المدارس أسلوب التعليم عن بعد، ففي تلك الفترة غُض النظر عن وجود 4 أنواع للتعلّم والحفظ (نظري، سمعي، تطبيقي، كتابي) في ظل تردي خدمة الانترنت في لبنان وتقطّع الاتصال الدائم خلال الحصص الدراسية، مما تسبب بانخفاض المستوى التعليمي. ناهيك عن اعتماد أسلوب امتحان "اونلاين"، ما ساعد الطلاب على اعتماد اساليب متعددة للغش، وفقاً لأبو سرحال. نتيجة ذلك، قلّت قدرة التلاميذ على الحفظ والتعلّم

 

في الألفية الثانية وعهد الإفقار، إنحرف التعليم عن "الرسالة" التربوية بحثاً عن قوت يوميّ، ولو على حساب ضياع جيل كامل... فللحق يناصر الأهالي أساتذة أبنائهم، إلّا أن الثمن بات أغلى من المسموح! فلنستذكر ونأمل أياماً أنشدنا بها "قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا.. كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا"!

 

 

 

 

Advertisement
المصدر: لبنان 24
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك