أخبار السرقات لم تعد غريبة على اللبنانيين، لا بل يمكن القول ان المواطن اللبناني اعتاد ان تصله يوميا عشرات الاخبار عن اعمال نشل وسرقة في مختلف المناطق اللبنانية.
ولربما تكون عمليات سرقة "كابلات" الكهرباء واحدة من ابرز السرقات التي تنقلت بين مختلف المحافظات في لبنان وتكررت أكثر من مرة في المكان نفسه على الرغم من خطورتها وصعوبتها في الوقت نفسه.
وفي المرتبة الثانية، قد تأتي عمليات النشل التي تتعرض اليها مجموعة من المواطنين خلال سيرها في الشوارع او نزولها من سياراتها او حتى تواجدها في بعض المحال التجارية.
اما المرتبة التي تليها، فهي من نصيب سرقة المنازل والسيارات بشكل متوازي، اذ يتكرر هذا النوع من السرقات يوميا في أكثر من مدينة وبلدة لبنانية.
ومع الأسف تبدو سبحة السرقات في لبنان طويلة ومتعددة والمشترك بين كل اشكالها هو بيانات قوى الامن الداخلي التي غالبا ما تنشر عبر وسائلها الاعلامية أخبارا عن القاء القبض على عصابات متمرسة في عمليات النشل والسرقة.
وفي هذا الاطار، قد يبدو من الطبيعي تعداد عمليات السرقة الكثيرة والمتنقلة التي يتعرض اليها المواطن اللبناني بشكل يوميّ بفعل الارتفاع الحاصل بسعر الدولار، وبفعل تفلّت الأسعار و"الفواتير" المختلفة التي لا يخلو معظمها من عمليات نشل مستمرة.
لكن، ما لا يبدو طبيعياً هو كسر وخلع احد الأبواب في مقر "الوكالة الوطنية للاعلام" بوزارة الاعلام في الحمرا ، والاقدام على سرقة جزء ثمين من ارشيفها بغض النظر عن حجمه وعن امكانية توفر نسخة أخرى عنه.
واستغراب هذا المشهد يأتي من عنصرين اساسيين:
اولاً من المستغرب ان تتم عملية سرقة بهذا الحجم في الشارع الذي تقع فيه وزارة الاعلام والذي يعتبر شارعا حيويا يضم وزارة الداخلية والبلديات ووزارة الثقافة والمكتبة الوطنية وحديقة الصنائع وغيرهما من المباني التي ينتج عن وجودها حركة دائمة لا بل زحمة سير مستمرة.
والأمر الثاني الذي يدعو الى الاستغراب، هو انه من سبق له وزار مبنى وزارة الاعلام، يعلم جيدا ان هذا المبنى من المفترض ان تكون الحركة فيه دائمة وغير متوقفة اذ انه يضم بالاضافة الى مكتب وزير الاعلام ومكتب وزير السياحة ، 3 مديريات اساسية: الوكالة الوطنية للاعلام، الاذاعة اللبنانية ومديرية الدراسات وغيرهم من الاقسام الادارية.
وبعيدا عن الاستغراب وعن القاء التهم في كل الاتجاهات، لا بد من انتظار كلمة القضاء المختص حتى تظهر ملابسات ما حصل بشكل نهائي.
وعلى طريق الانتظار، بدا لافتا التعاطف الكبير الذي أظهره المواطنون مع سرقة ارشيف "الوكالة الوطنية" اذ انهم عبروا صراحة عن حزنهم على صور تحمل بين اسودها وأبيضها حنينا الى الماضي الذي وعلى عكس الحاضر، منح اللبنانيين مساحات واسعة من الأمل، الفرح، البحبوحة، الاستثمار وغيرها من الأمور التي جعلت من لبنان وطنا لتحقيق الاحلام والطموحات.
وما يبدو لافتاً كثيرا هو ان معظم من عملوا في مديريات وزارة الاعلام او المؤسسات التابعة لها، يدركون جيدا ان السارق او مفتعل السرقة هو واحد تحددت معالمه مباشرة بعد انتهاء الحرب في لبنان، وأطلق عليه تسمية "الأهمال".
فالعاملون في "تلفزيون لبنان"، "الاذاعة اللبنانية" و"الوكالة الوطنية"، يعلمون جيدا كيف يتغلغل الاهمال في كل مفاصل عملهم بفعل التراكمات ولألف سبب وسبب.
ويعلمون ايضا كيف حوّل الاهمال المتراكم امكنة عملهم الى ساحات من الصمت لا يمكن لصداها ان يتخطى بعض الجدران المغلقة التي تعيش داخلها أجزاء من المحسوبيات على اشكالها وانواعها الختلفة.
كما انهم يعلمون جيداً كيف ان "الأرشيف" وهو خشبة خلاصهم الوحيدة منذ ما قبل بداية الازمة الحالية، ينام في الادراج او يخرج منها بأساليب خفية، بعيداّ عن اي خطط فعلية للاستثمار على الرغم من الاخبار الكثيرة المتداولة عن حفظه وصيانته من قبل شركات عالمية.
في المحصلة، لم يسرق الاهمال بعضاً من "أرشيف" الوكالة الوطنية وحسب انما سرق أحلام وطموحات العديد ممن عملوا وامنوا ووثقوا بالمؤسسات الاعلامية الوطنية.