يصعب تحديد موقع "التيّار الوطنيّ الحرّ" الجديد بعد الخلاف مع "حزب الله"، فالبعض يرى فيه أنّه لا يزال من أهمّ رموز السلطة، فيما البعض الآخر يعتبره أنّه يقترب شيئاً فشيئاً من المعارضة، وخصوصاً بعد التباينات العميقة مع "الثنائيّ الشيعيّ" في مواضيع أساسيّة أبرزها الملف الحكوميّ والرئاسيّ والتشريعيّ. أمّا نواب في "التيّار"، فيقولون إنّهم أقرب منهم إلى الوسطيين لأنّهم يدعون للحوار والتوافق، نظراً لأنّهم لم يعودوا قادرين على فرض مرشّحٍ كما كان الحال قبل العام 2016.
وللمفارقة، فإنّ "الوطنيّ الحرّ" يبتعد عن حليفه الشيعيّ "حزب الله" لأوّل مرّة منذ إتّفاق "مار مخايل" الشهير، ولا يخوضان الإستحقاق الرئاسيّ مع بعضهما إسوة بالسنوات السابقة. من هنا، يعتبر مراقبون أنّ الفريق البرتقاليّ أصبح أقرب إلى معارضة خاصّة به، لأنّ بينه وبين "القوّات اللبنانيّة" و"الكتائب" ونواب "المجتمع المدنيّ" خلافات جوهريّة سياسيّة وإقتصاديّة وقضائيّة وغيرها لا تسمح لهم بالتقارب منه بسهولة. ويُشير المراقبون إلى أنّه لن يكون رأس حربة في محاربة "المقاومة" أو الضغط عليها في موضوع السلاح وحتّى لو حصل الطلاق معها، إذ يرى المراقبون أنّ التواصل والتنسيق سيبقى قائماً بينهما حتّى لو لم ينجحا في تعديل أو تجديد الإتّفاق بينهما.
ويُضيف المراقبون أنّ النائب جبران باسيل بات معارضاً لكلّ ما يقوم به "حزب الله" إنّ من حيث الدعوة لجلسات نيابيّة تشريعيّة، وإنّ من حيث المشاركة في جلسات حكومة تصريف الأعمال. ولعلّ أبرز تباين بينهما هو الملف الرئاسيّ وتمسّك الضاحيّة الجنوبيّة برئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجيّة مرشّحاً لفريق الثامن من آذار، وعدم التجاوب مع تكتّل "لبنان القويّ" في مناقشة أسماء أخرى. فمن خلال هذا الأمر، أقصى "الحزب" باسيل ليس فقط من السباق الرئاسيّ، وإنّما من المشاركة في تسميّة أو إيصال رئيسٍ.
في المقابل، تعتبر أوساط نيابيّة معارضة أنّ "التيّار" من أبرز معطّلي إنتخابات رئاسة الجمهوريّة. فهو لا يتبنّى أيّ مرشّح ويقترع مثل "حزب الله" بأوراق بيضاء أو بأخرى ملغاة، ويفرض التوافق بين المكوّنات المسيحيّة لتحرير الإستحقاق الرئاسيّ. وتقول إنّه بهذه الطريقة يُريد أنّ يُحسّن شروطه في العهد المقبل، كيّ يبقى متحكّماً بمفاصل الدولة لستّ سنوات. وتلفت الأوساط إلى أنّ المعطّلين في السابق هم أنفسهم في الوقت الراهن، فباسيل يُصوّر نفسه أنّه على خلافٍ مع "الثنائيّ الشيعيّ" وهو يُساهم معه في تمديد عمر الفراغ، ويضرب حقوق المسيحيين.
وعن إعتبار "الوطنيّ الحرّ" فريقاً وسطيّاً، يقول مراقبون إنّ هذا ليس دقيقاً أبداً. فالوسطيّ هو من ينتظر أنّ يتوافق الأفرقاء الآخرون على مرشّحٍ، فإذا كان رئيس "حركة الإستقلال" يسير به، وإذا كان فرنجيّة يقترع له. أمّا ما يقوم به باسيل، فهو إبتزاز حليفه "حزب الله" باتّفاق "مار مخايل" ليفرض عليه شروطه الرئاسيّة. كذلك، فإنّه لا يُوافق على انتخاب لا رئيس "المردة" ولا قائد الجيش جوزاف عون ولا معوّض ولا مرشّح "المجتمع المدنيّ"، ما يدلّ على أنّه يُريد نفسه فقط للرئاسة ولا يقبل بأيّ إسمٍ آخر غيره.
ويُتابع المراقبون أنّ الوسطيّ يجمع ولا يُفرّق بين النواب، ولا يُعارض الدعوة للحوار التي تهدف في الموقع الأساس إلى التوافق كيّ تكون أصوات النواب الوسطيين لصالح أحد المرشّحين. وتُردف أنّ باسيل يعمل من خلال المناداة بالحوار المسيحيّ على إقصاء "حزب الله" و"حركة أمل" من المعادلة الرئاسيّة، وجرّ "القوّات" إلى التقارب منه كيّ يفرض نفسه أو أحد المرشّحين الموارنة المقرّبين منه على "الثنائيّ الشيعيّ".
ويعتبر المراقبون أنّ شهيّة باسيل للرئاسة أكبر من أنّ يتنازل عن الموقع المسيحيّ الأوّل في البلاد لأحد خصومه السياسيين. ولأنّه بات يعلم أنّ حظوظه الرئاسيّة معدومة، فهو سيظلّ يُعطّل الإنتخابات لسبب رئيسيّ، وهو الخوف على مستقبل تيّاره السياسيّ إنّ انتخب فرنجيّة أو قائد الجيش، أو أيّ مرشّحٍ آخر ليس مقرّباً منه.