يتقاطع حزبا "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" على "الهدف نفسه" هذه الأيام، وهو "قطع طريق بعبدا" على رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، لأسباب متفاوتة، فالأول يعتبر "بيك زغرتا"، مرشح "حزب الله"، وهو يرفض دعمه انطلاقًا من ذلك وبمعزل عن شخصه، فيما الثاني الذي يعتبر فرنجية "خصمًا مباشرًا"، بل "منافسًا أساسيًا"، لم يتخلّ عن طموحاته، ويريد فرض نفسه "ناخبًا أول" في الاستحقاق الرئاسي.
يتجلّى هذا "التقاطع" في العديد من المحطات والاستحقاقات، فالطرفان اللذان يوحيان أنّهما سيكونان "شريكَين" في تعطيل أيّ جلسة لانتخاب فرنجية رئيسًا، "يتناغمان" ظاهريًا في إيلاء الاستحقاق الرئاسي "الأولوية"، ولو في الشكل ومن دون ترجمة، وهو ما تجلّى في تعطيلهما الجلسة التشريعية التي كان ينوي رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إليها قبل فترة، وتكرّر في "مشهدية" جلسة اللجان المشتركة قبل يومين.
لكن، أبعد من هذا "التناغم" المحدود، وربما المضبوط، تبقى العلاقة بين الجانبين "مقطوعة"، وإن خرقتها المناوشات التي تتكرّر بين الفينة والأخرى، من هذا الجانب وذاك على حدّ سواء، رغم محاولة "التيار" فتح الخطوط مع معراب في أكثر من مناسبة، فكيف تنظر "القوات" إلى تموضع "التيار" المستجّد، وهل يمكن أن تتجاوب مع دعواته للحوار والتفاهم؟ وهل يحقق فرنجية "المستحيل" مرّة أخرى ويجمع "الأضداد"؟
"شكوك ومخاوف"
لا يخفى على أحد أنّ "التيار الوطني الحر" يسعى منذ فترة غير قصيرة لجرّ "القوات اللبنانية" إلى طاولة الحوار من جديد، وربما "استنساخ" تجربة تفاهم معراب، وذلك رغم الحملات المتبادلة التي تتكرّر بين الفينة والأخرى، علمًا أنّ رئيس "التيار" الوزير السابق جبران باسيل حاول في أكثر من مناسبة فتح خطوط التواصل مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ودعاه إلى "التفاهم" على اسم مرشح رئاسي "توافقي".
وينطلق "التيار" من تباعده مع "حزب الله" على خلفية دعمه لترشيح فرنجية للرئاسة، لطرق أبواب جعجع، لعلّه بذلك يضرب أكثر من عصفورين بحجر، حيث يوجّه رسالة إلى "الحزب" بأنّه قادر على إيجاد "البديل" في ساحته المسيحية، ويفرض نفسه من جهة ثانية "ممرًا إلزاميًا" في استحقاق الرئاسة، باعتبار أنّ "القفز" فوقه وفوق حزب "القوات"، يعني ضربًا للشراكة والميثاق، بل إفراغًا للرئاسة من مضمونها، كما يقول.
إلا أنّ مشكلة باسيل تكمن في عدم اقتناع "القوات" كما يقول المحسوبون عليها، بـ"صدق نواياه"، ليس فقط انطلاقًا من التجربة "المرّة" التي يرفض جعجع تكرارها، ولكن بالنظر لكون باسيل لا يبحث "سوى عن مصلحته"، وفق هؤلاء، وهو ما ثبت بالملموس طيلة سنوات "العهد"، علمًا أنّ ثمّة قناعة "قواتية" بأنّ كلّ ما يحصل لا يعدو كونه "مناورة"، لن يلبث أن يعود باسيل بعدها إلى "قواعده سالمًا"، جنبًا إلى جنب "حزب الله".
شرط "القوات" الوحيد
من هنا، يقول المحسوبون على "القوات" إنّ جعجع لا يمكن أن يحقّق لباسيل مطالبه على طبق من فضّة، علمًا أنّ "التقاطع" الحاصل بينهما هو شكليّ لا أكثر، فضلاً عن كونه ليس كاملاً، فكلّ ما يريده باسيل هو قطع الطريق على فرنجية وتسجيل النقاط على "حزب الله" والحكومة، ولا مانع لديه في المقابل بانتخاب رئيس يطمئن "حزب الله"، ويمثّل "الممانعة"، إذا لم يكن مثل هذا الرئيس يشكّل "خطرًا وجوديًا" عليه وعلى "زعامته".
واستنادًا إلى ما تقدّم، يعتبر "القواتيون" أنّ الحوار مع باسيل لزوم ما لا يلزم، فهو لا يقدّم ولا يؤخّر شيئًا في المعادلة، وبالتالي فهو لا يجدي نفعًا، طالما أنّ الرجل لم يقم بمراجعة ذاتيّة أولاً لأدائه طيلة السنوات الفائتة، وكونه لم يفترق عن "حزب الله" سوى لأنه لم يعد "الطفل المدلل" للأخير، وأنّه أبعد ما يكون عن "المبدئية" في مواقفه، بدليل أنه جاهز للانقلاب على كلّ تموضعه المستجدّ متى أبلغه الحزب بالتخلي عن دعم فرنجية.
رغم كلّ ذلك، يرفض "القواتيون" القول جهارًا بأنّ "التسوية مستحيلة" مع باسيل، لكنّهم يتحدّثون عن "شرط واحد" لتحققها، وهو قبول رئيس "التيار الوطني الحر" بمرشح "القوات اللبنانية" لرئاسة الجمهورية، ما يتطلب إثبات "نواياه" في مسألة "الطلاق" مع "حزب الله". لا يرى المحسوبون على "القوات" أنّه شرط "تعجيزي"، وإن كانوا واثقين أنّه لن يتحقق، تمامًا كما أنّهم واثقون أنّ الذهاب لـ"تفاهم معراب" آخر هو ضربٌ من الخيال.
برأي كثيرين، لا يعني شرط "القوات" سوى دفع باسيل إلى التسليم بأنّ استنساخ "تفاهم معراب" غير وارد في الظروف الحالية، ووفق المعطيات الموضوعية، وأنّ معركته مع "حزب الله" لا تخاض بهذه الطريقة. لكنّه يعني أيضًا أنّ "القوات" التي لا تزال تتلو فعل "الندامة" على التفاهم الذي قالت إنّه أوصل الرئيس السابق ميشال عون إلى بعبدا قبل ستّ سنوات، لن تعيد الكرّة من جديد، مهما كان الثمن!