لم ترحم مؤسسة "كهرباء لبنان" المواطنين بفواتيرها التي حلّت كالصاعقة عليهم. ملايين جديدة أضيفت الى مصاريفهم، تسعيرة "كهرباء" باهظة تُزاد الى كلفة الإنارة الغالية أصلاً بفعل دولرة المولدات. الأرقام المدوّنة على الفواتير لم تكن في حسبان أي لبناني.. فتزامنت الصدمة مع الصرخة وظهرت حالات "هجر" كهرباء لبنان.
دعوات "مقاطعة".. وقطع اشتراكات!
مع بدء جباية فواتير "كهرباء لبنان" وفقاً للتسعيرة الجديدة، بدأت أصوات في الخفاء تدعو لعدم التسديد، حتى أن البعض جاهر بعزمه إيقاف "عدّاد الكهرباء" والتخلّي عن هذه الخدمة كليّاً.
من بين من يروّج لهذه الفكرة، يعقوب، 48 عاماً، توجّه منذ عام ونيّف الى الطاقة البديلة هرباً من ساعات الظلمة، إثر نظام التقنين القاسي الذي اعتمده أصحاب المولدات.
ويقول الرجل في مجالسه، إن "المؤسسة تغيّبت عن مهامها وسمحت لأصحاب المولدات الخاصة بنهش اللبنانيين قبل أن يجد هؤلاء الطريقة الأنسب لخلاصهم. فكيف لها بعد كل هذه الفترة أن تعود بفواتير كبيرة مقابل ساعات قليلة جداً من التغذية؟ أيعقل أن تكلّفنا ساعتي "كهربا دولة" أكثر من مليونين؟!"، مضيفاً: "لست بحاجة لهذه الخدمة، شكراً لهم! لدي ما أحتاجه من طاقة، لم أستثمر في "البديل الشمسي" لأقع فريسة الفواتير".
ولا يتوقّف الحديث هنا، فللرجل موقف صارم من أزمة الكهرباء في لبنان. يكمل يعقوب: "كيف لي أن أثق بمؤسسة "مثقلة ومهترئة"؟ ملف الكهرباء هو الأكثر جدلاً، لا ضمانة بتقديم الخدمة باسمرارية أو حتى بزيادة ساعات التغذية الى أكثر من 4 ساعات وإن "الله راد منوصل للـ8 كحد أقصى". ويتابع بنبرة ساخرة: "بعد منتصف الليل، تؤمن مؤسسة كهرباء لبنان التغذية للمنازل. لزوم ما لا يلزم! اعتدنا غيابها "بالناقص دفع".
مصدر مضاربة أو "شفط"؟
سيمون، 44 عاماً، يؤيّد رأي نسيبه يعقوب جزئيّأ. فبالنسبة له، "كهرباء لبنان" لن تتمكن يوماً من تأمين التغذية إن بقيت على حالها السابقة وبالتالي الإضافة على الفواتير واجب ضروري لا مفرّ منه. إلّا أنه يعتبر أن على "المؤسسة إلغاء رسم الاشتراك الى حين تأمين 12 ساعة من التغذية ليتمكّن المواطن أقلّه من التخلي عن اشتراك المولّد الخاص"، ويقول: "لا يجوز تحميل المواطن تكاليف تفوق قدرته بسبب تقصير المؤسسة".
ويكشف الأب الذي لم تسمح له ظروفه من تركيب نظام طاقة شمسيّة، في معرض حديثه لـ"لبنان 24" عن أن "فاتورة الكهرباء بين "اشتراك دولة" ومولّد خاص أتت لهذا الشهر مليونين ليرة لبنانية (كهرباء لبنان عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2022) و50 دولار أميركي (مولّد)"، موضحاً أن هذه الكلفة هي نتيجة تقنين يعتمدونه في الأسرة كي لا يحصلوا على مفاجأة كهربائية في أوّل أي شهر. يتابع: "انتظرنا تحسّن وضع تغذية مؤسسة الكهرباء للتخلص من بطش أصحاب المولدات، فكانت الفاتورة مؤلمة أيضاً"، متسائلاً: "هل دخلت المؤسسة في اللعبة وبدل كسر هيمنة أصحاب المولدات وقعنا بين أنياب جلّاد جديد؟".
أسلوب تقنين ذاتي جديد
نظراً لازدياد العبء المادي وعدم قدرته عن التخلي عن أي من الاشتراكين، يفصح سيمون عن نيته باعتماد أسلوب تقنين ذاتي جديد. ويقول: "نطفئ الـdisjoncteur" لبعض الوقت.
ويوضح أنه "لا مهرب من الاعتماد على تغذية كهرباء لبنان في بعض الأعمال المنزلية كالغسيل والكيّ مثلاً، ولكن يمكننا تقليل الاستهلاك بقطع التغذية عن المنزل أثناء عدم تواجدنا فيه. سنتعامل مع "كهربا الدولة" كما "كهربا الموتور" من الآن وصاعداً.. حذر في الاستهلاك وكثير من التقنين".
"الطاقة البديلة".. ليست بديلة!
فكرة التخلّي عن اشتراك "كهرباء لبنان" راقت للعديد ممن جهّزوا منازلهم بألواح شمسية لتوليد الطاقة، فهم شعروا لوهلة أن "همّاً ومضى" عنهم؛ غير أن نصيحة أحد مهندسي "تركيب الطاقة الشمسية" قد تبدّل الآراء.
إبن الأربعين عاماً والذي أمضى عامه بتركيب أجهزة الطاقة الشمسية، يوضح أن "هذه الأجهزة معرّضة للتعطّل كأي جهاز كهربائي، وبعض من لجأ الى الطاقة الشمسية واجه أعطالاً هذا الشتاء بسبب العواصف"، معتبراً أنه من المحبّذ عدم التخلي عن مصدر الطاقة الأساسي في لبنان وهو "كهرباء لبنان" تحسّباً لأي عطل وكي لا يجد المواطن نفسه قابعاً في العتمة مجدداً.
أمّا عن الكلفة الكهربائية إثر التسعيرة الجديدة لمؤسسة "كهرباء لبنان"، فيقول: "مهما بلغت الكلفة ستبقى ضئيلة وقد لا تتعدّى العشرين دولاراً أميركياً على مدى عام، لأن استهلاك الطاقة سيؤمن من كيلوواط الألواح فلا خوف من مبالغ طائلة"، مضيفاً: "الطاقة الشمسية ستغطي حاجات المنزل ولكن لا يجب غض النظر عن إمكانية تعطلها".
ويتابع مبرّراً نصيحته: "معظم من لجأ للطاقة الشمسية في لبنان، وضع تجهيزات تتناسب وقدرته الشرائية، أي ان عدداً كبيراً لم يطلب طاقة للاستغناء عن "كهرباء لبنان"، بل أوجد نظام تغذية كهربائية يشكل بديلاً لكن مع تقنين"، مفسّراً أن "قدرة نظام الطاقة الشمسية بالتوليد الكهربائي تختلف بحسب عدد الألواح الشمسية المعتمدة، كما أن القدرة على تغطية الحاجات الكهربائية في غياب الشمس تعتمد على البطاريات والتي بغالبيها تحتاج "لشحنة كهربائية مساعدة" خاصة في فصل الشتاء.
"كهرباء لبنان" تستدرك..
الى ذلك، وإثر تكاثر دعوات "مقاطعة دفع فواتير الكهرباء التي تعتمد التسعيرة الجديدة"، تشير مؤسسة "كهرباء لبنان" في بيان، الى أن هذه التعرفة الجديدة هي الأقل كلفة على المواطن مقارنة بسبل استمداد التيار الكهربائي الأخرى ولا سيما من المولدات الخاصة".
وتوضح أن نجاح خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء، ومن ضمنها تحسين الجباية على أساس التعرفة الجديدة ونزع التعديات على الشبكة الكهربائية، من شأنها تحسين وزيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي تباعاً في مرحلة لاحقة.
واوضحت بأنّ الفواتير الحالية التي أصدرتها أو التي يتم إصدارها حالياً وتتم جبايتها راهناً هي تشمل استهلاك الكهرباء في شهرين معاً هما شهرا 11 و12 سنة 2022 على أساس سعر الصرف على منصة صيرفة +20% بتاريخ طباعة الإصدار والبالغ /43600/ ل.ل. للدولار الاميركي الواحد (43600 ل.ل. + 20%=52320 ل.ل.) وليس بالتالي بحسب سعر منصة صيرفة اليوم أو بأي تاريخ آخر.
بالرغم من ارتفاعه خلال فترات وجيزة منذ ذلك الحين خلال الأسبوعين الماضيين بشكل مباغت وكبير، وقد أرسلت المؤسسة عدة كتب بهذا الشأن إلى الجهات المعنية، كان آخرها كتابها تاريخ 2/3/2023 إلى جانب مصرف لبنان المركزي، والمبلّغ أيضاً إلى الجهات الوزارية المعنية، حيث طلبت التزام مصرف لبنان بسعر منصة صيرفة + 20% المذكور بتاريخ طباعة الإصدار من أجل صرف الأموال المجباة من هذا الإصدار على أساس ذات السعر المذكور للدولار الأمريكي، وإن المؤسسة بانتظار ورود الأجوبة على ذلك ليُبنى على الشيء مقتضاه.
ومع الإشارة إلى أن اعتماد سعر الصرف على منصة صيرفة مضاف إليه نسبة 20 بالمئة جاء التزاماً بكتاب مصرف لبنان تاريخ 8/12/2022 الوارد بهذا الخصوص، علماً أن مؤسسة كهرباء لبنان لا يسعها سوى الالتزام بقرارات الجهات المختصة التي هي صاحبة الصلاحية بهذا الشأن".
وتوجهت مؤسسة كهرباء لبنان "إلى المواطنين لعدم الإذعان لمروّجي الأخبار غير الدقيقة، وهي تبقى منفتحة أمام الرأي العام لتبديد أية هواجس لدى المواطنين"،
مشيرة الى" انها ستبقي الرأي العام على اطلاع بأية مستجدات في حال حصولها، في ضوء القرارات التي تتخذها المؤسسة ومجلس إدارتها والجهات المعنية في الدولة، لما فيه الصالح العام للحفاظ على هذا القطاع الحيوي والأساسي للجميع”.
"حتى أنت يا بروتس؟".. حتى أنت يا كهرباء؟ طال انتظار اللبنانيين لخطة تعيد الإنارة الى بيوتهم، فارتطمت أحلامهم بالواقع الاقتصادي المرير وأعادهم "زمن الدولار" إلى القعر حيث لا حلّ سوى بالتقنين.. "كهرباء لبنان" قالت كلمتها: إدفعوا قد تجدوا.. ففي لبنان لا شيء مؤكّد!