وسط الإرتفاع الصاروخيّ بسِعره الذي تخطّى عتبة الـ93 ألف ليرة، أضحى سوق الدّولار حالياً أمام منافسة جديدة بين المُضاربين، فباتت كل جهةٍ تُغنّي على ليلاها للتأثير على المشهد القائم وضرب أيّ محاولةٍ حصلت لـ"تطويق السوق".
في الواقع، فإنَّ السوق يشهد "فلتاناً" لا يُمكن ضبطهُ بسهولة، وما يتبين بشكلٍ لافت هو أنَّ مفاعيل قرار مصرف لبنان بشأن إعادة ضخّ الدولارات عبر "صيرفة" بتاريخ 1 آذار الجاري، لم تدُم لأيامٍ قليلة إذ انهارت سريعاً، وما ظهر هو أنّ المضاربين استعادوا المبادرة في السّوق، وتأثيرهم اليوم هو الأكثر بروزاً.
بشكلٍ أو بآخر، قد يكونُ استئناف المصارف لإضرابها اعتباراً من يوم الثلاثاء المُقبل بمثابة عاملٍ مؤثر على السوق، إلا أنّ ارتفاع الدولار حالياً لا يرتبط إلا بأمرين أساسيين، أوّلهما هو أنّ التجار الكبار الذين شهدوا على خساراتٍ كُبرى بعد قرار 1 آذار الخاص بـ"صيرفة"، أرادوا تعويض الخسائر التي مُنيوا بها آنذاك بـ"صعودٍ للدولار"، وهذا ما يظهر جلياً في السّوق أولاً، ومن خلالِ ما يتداوله الصرّافون في ما بينهم ثانياً. هنا، فإنَّ سوق الدولار يشهدُ "نقمةً" تتحكم به، كما أنّ الرهان الذي وضعه "كبار المضاربجيّة" بشأن "اندثار تأثير منصة صيرفة" قد تحقّق مُجدداً، وبالتالي كان الكلامُ واضحاً من قبلهم عبر حركة السوق، ومفاده أن "الأمر لنا، ونحن الذين نتحّكم بالأسعار صعوداً وهبوطاً".
ماذا ينتظرنا خلال أيام؟
ما فرضته معادلات السّوق حالياً تؤكد أمراً واحداً لا لُبس فيه وهو أنّ الدولار لن ينخفض إلى ما دون سعر الـ73 ألف ليرة الذي يُمثل سعر الدولار على منصة "صيرفة". أمّا ما يُمكن استشرافه أيضاً فهو أنّ الطلب على الدولار سيزدادُ تباعاً، إذ كشفت مصادر ناشطة في سوق الدّولار لـ"لبنان24" أنّ "كبار التجار استأنفوا مؤخراً الطلب على الدولار بكثافة باعتبارِ أن لديهم بعض الآمال بارتفاعٍ إضافي، وبالتالي فهم يسعون لشراء الدولار بسعر منخفض كي يبيعونه على رقمٍ مرتفع لاحقاً، ما يعني تحقيقاً لأرباحٍ كبرى".
وأضافت المصادر: "كذلك، فإنّ ما يظهر أيضاً هو أنّ جهات كثيرة تطلب الدولارات لتمويل الإستيراد وذلك بعد وجود رؤية تشيرُ إلى أنّ الدولار الجُمركي قد يرتفع لاحقاً وسيُربط بصيرفة، وبالتالي فإنّ الإستفادة بالنسبة لهم قائمة حالياً وليست لاحقاً".
من دون أدنى شك، فإنّ المعادلات التي يفرُضها "المضاربجية" حالياً لا يمكن أن تقترنَ بتعاميم جديدة صادرة عن مصرف لبنان. فطالما استمرّ إضراب المصارف، طالما كانت خطوة مصرف لبنان لضخّ الدولار عبر "صيرفة" ضئيلة ومتراجعة، على الرغم من أن عمليات "قبض الرواتب" على أساس المنصة ستبقى مستمرة مثلها مثل طلبات "صيرفة" التي قُدّمت خلال الأيام الماضية، والتي قد تُصرف للزبائن عبر الصرافات الآلية للمصارف.
ما يمكن قوله فقط هو أنّ مصرف لبنان ولمواكبة "ارتفاع الدولار" قد يبادر تلقائياً وكما حصل خلال اليومين الماضيين، إلى رفعِ سعر دولار "صيرفة" تدريجياً، ومن المُتوقع أن يتجاوز السعر عتبة الـ75 ألف ليرة خلال الأيام القليلة المقبلة. حقاً، هذا ما قد يُقدِمُ عليه مصرف لبنان في الوقت الراهن كإجراء ضمني فقط "لا يُقلص" فعلياً السعر في السّوق الموازية، بل يقلّل فقط من حجم الخسارة التي يتكبدها البنك المركزي خلال عملية بيع الدولار، لا أكثر ولا أقل.
إذاً، ومع كل ذلك فإنّ الوضع في سوق الدولار قد يكونُ أمام مشهدٍ غير مستقر، فالدلائل على ذلك عديدة وكثيرة، كما أنَّ مبادرات "اللجم" ضئيلة في الوقت الرّاهن. وأمام هذه المشهديّة، فإنّ تحكم المضاربين القائم في السّوق سينعكس في أماكن أخرى تؤثر أصلاً على "صيرفة".. فكلما ارتفع الدولار سترتفع "صيرفة"، وبالتالي ستتقلّص استفادة المواطنين منها عبر الرواتب التي ستتراجع قيمتها حُكماً، ما يعني أزمة فوق أزمة.. فما الذي سيحصل لاحقاً في حال تفاقم هذا الأمر؟