شهدَ ملف إختبارات داخليَّة أجريت للموظفين ضمن المديريَّة العامّة للجمارك اللبنانية قبل أسبوع، الكثير من الأخذ والرّد، أما الأخطر فهو أنَّ تلك الخطوة التي إتخذتها المديرية جرى إلباسُها ثوباً طائفياً فتنوياً بناء لإشاراتٍ سياسيَّة بحجّة المُناصفة بين المُسلمين والمسيحيين.. فما هي قصّة تلك الإختبارات؟ وماذا حصل؟
يوم السبت الماضي، تم إجراءُ اختباراتٍ لـ393 موظفاً ضمن الجمارك اللبنانية، والهدف منها هو دمجُ هؤلاء رسمياً ضمن ما يُعرف بـ"الجهاز الإداري" للمديريّة. الأساس هنا هو أنّ الذين تقدموا لهذه الإختبارات كانوا من العناصر الذين استوفوا الشروط المطلوبة لإدخالهم إلى "الجهاز الإداري"، وقد تمّ تبيانها (أي الشروط) بشكل مفصّل ضمن المادة 26 المُدرجة في مرسوم "تنظيم الضابطة الجمركيّة". وفعلياً، فإن بعض الشروط تنصّ على التالي:
1- تنتقى عناصر الجهاز الإداري من بين الرتباء والخفراء بعد اجتيازهم بنجاح مباراة مسلكية يحدد نظامها بقرار من المجلس الأعلى للجمارك بناء على اقتراح مدير الجمارك العام.
2- ألا تكون قد اتخذت بحق المذكورين عقوبات من الدرجة الثالثة خلال السنوات الـ5 الأخيرة.
3- أن يكون مستوى علاماتهم المسلكية جيداً.
4- أن يكون كل واحد منهم قد أمضى في الخدمة: للرتباء: 25 عاماً على الأقل، منها 5 سنوات بصفة رتيب. للخفراء: 25 سنة منها 20 سنة على الأقل في إدارة الجمارك.
إلى جانب ذلك، فإنّ الإستفادة التي تأتي من الإندماج ضمن "الجهاز الإداري" للجمارك تكمُن في التالي: يُصبح العسكري ضمن هذا الجهاز مرتبطاً فقط بالأعمال الإدارية، كما أن بإمكانه البقاء في الخدمة لمدّة 5 سنوات إضافية، ما يعني أن بإمكانه التقاعد عند سن الـ57 عاماً بعكس "الجمارك العسكريين" الذين يُحالون إلى التقاعد عند الـ52 عاماً. كذلك، فإن بإمكان العسكري ضمن الجهاز الإداري الإستفادة من مخصصات إضافيّة تقدمها الجمارك أصلاً لعناصرها ورتبائها وخفرائها وضباطها.
ضمنياً، فإنّ إدارة الجمارك اتخذت قرار إجراء الإمتحانات بعد تدخل العديد من القوى السياسية، لكن ما يجب معرفته هو أنّ خطوة الإختبارات هي تنظيم روتيني وإداري بحت وهدفه هو التالي:
1- تجنيب المديرية أي فراغٍ في الجهاز الإداري لاحقاً لكون الذين يعملون ضمنه قد يُحالون إلى التقاعد وبالتالي يجب إحلال آخرين مكانهم عبر اختبارات تُجرى للعناصر التي تستوفي الشروط.
2- تثبيت عناصر كانوا يعملون ضمن الجهاز الإداري لسنوات عديدة ولكن من دون انتسابهم رسمياً إليه، والسبب هو النقص الذي كان حاصلاً ضمن الجهاز.
في الواقع، فإنّ العناصر الـ393 الذين تقدموا للإختبارات كان من بينهم 40 مسيحياً، وتقول مصادر في "الجمارك" لـ"لبنان24" إنّ "الوظائف المرتبطة بالجهاز الإداري هي من الفئة الرابعة وبالتالي لا ترتبطُ بالمناصفة بين الطوائف، ما يعني أن الأمر يقتصر على إجراء اختبارات للذين يستوفون الشروط المطلوبة لا أكثر ولا أقل، بغض النظر عن طوائفهم"، وأضافت: "أما النقطة الأكثر أهمية فهي أن جميع العناصر الـ393 قد ينجحون جميعهم حُكماً في الإختبارات لأسباب بديهية أولها أن هؤلاء كانوا ضمن خدمة طويلة الأمد ضمن المديرية، ما يعني أنهم يعلمون كل تفاصيل عملهم. كذلك، فإن الإختبارات التي أجريت لهم تأتي من صلب مهامهم، في حين أنَّ الخدمة التي أدّوها على مدى 20 عاماً تستوجبُ منهم الإجابة عن أي معلومة تمرّ أمامهم بحكم الخبرة والممارسة. وعليه، فإن الرسوب في تلك الإختبارات هو أمرٌ يرتبطُ بمدى جدية العنصر في إعادة درس المواد القانونية والعملية قبل طرحها في الإختبارات".
وشدّدت المصادر على ضرورة "إصدار قرار إنتقاء العناصر للجهاز الإداري بأسرع وقت مُمكن من قبل المجلس الأعلى للجمارك ليس فقط من أجل تسيير أعمال الإدارة، بل لأن هناك جانباً إنسانياً يتعلق باستفادة بعض العناصر الذين سيُحالون إلى التقاعد تباعاً في وقتٍ قريب".
في خلاصة الأمر، ما يتبين هو أن أي إجراء إداري ضمن الدولة سيكونُ مهدداً بـ"لعبة الطائفية"، والمشكلة الأكبر هي أنّ بعض الجهات السياسية باتت تسعى لتكريس نفوذها لضرب الإدارة في هيكليتها، إما عبر التعطيل أو عبر إقامة حملات ممنهجة ضدها.. والسؤال: هل الهدف من كل ذلك هو تدمير ما تبقى من أجهزة الدولة اللبنانية؟ هل الهدف هو إنهاء كل الوظائف ومنع التعديلات المطلوبة التي تُجنب الإدارات الفراغ؟