من يتابع مجريات الحياة السياسية وتعقيداتها الأخيرة في لبنان، ومن يتابع المواقف السياسية على اختلافها وتنوعها، يدرك كل الادراك ان الجزء الاوفر من الواقع السياسيّ اللبنانيّ بات يتماهى الى حدّ كبير مع موسم "تشحيل" الأشجار.
والمقصود بـ" التشحيل" هنا، لا يصح ابداً على عملية اعادة تأهيل الأشجار المثمرة كالزيتون واللوز وغيرهما، انما يصح على بعض انواع الاشجار غير المثمرة التي لا ينتج عنها اي نفع مباشر، وجلّ ما يمكن ان تقدمه هو البعض من "الحطب" لاستخدامه كبديل عن المحروقات للتدفئة خلال فصل الشتاء.
وما ورد اعلاه يمكن اعتبارة التوصيف الدقيق لما تمرّ فيه الحياة السياسية في لبنان، اذ انها وفي نسبة متقدمة جداً باتت غير منتجة، وجلّ ما تتمكن ان تقدمه هو بعض الحلول البديلة، ريثما يُقرع الجرس ليُعلن فكّ أسر المواطنين من وطن بات أضيق من سجن وأوسع من سماء بعيدة لا يمكن بلوغها.
في كلّ الاحوال، وبما ان الحديث بدأ من باب "التشحيل"، وهو مصطلح مرتبط مباشرة بالزراعة التي قد تكون احد انواع الحلول للواقع اللبناني ان تم الاهتمام فيها والتخطيط في قطاعها، لا بد من استخدام مصطلح آخر مرتبط بدوره بعالم الزراعة ومأخوذ من الموروث الشعبيّ اللبناني.
والمصطلح المقصود، هو التالي: "إجر بالفلاحة وإجر بالبور"، اما المعنى منه فهو واضح وضوح الشمس عند كل مواطن لبناني يدرك هويته وبعضا من تاريخه.
والمفارقة ان هذا الموروث الشعبي، بات ينطبق تماما على الأداء الذي يقدمه "التيار الوطنيّ الحرّ" في أكثر من مناسبة وامام غير استحقاق.
وفي هذا الاطار، يشير مصدر سياسي متابع لـ"لبنان 24" الى انه " منذ ما قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون، بدا (التيار) وكأنه دخل في مرحلة من الضبابية او القلق او يمكن تسميها بالمرحلة الرمادية، التي من الصعب له خلالها ان يكوّن موقفا واضحاً من بعض الاستحقاقات لاسيما المصيرية منها، والسبب في ذلك قد يعود الى السنوات الست الصعبة جداً التي عاشها (الوطنيّ الحرّ) خلال وجوده في السلطة بشكل أوليّ ومباشر.
وهنا، وبغض النظر عن الاسباب التي جعلت من السنوات المشار اليها صعبة ودقيقة، لا بد من القول ان (التيار) يجد نفسه من بعدها مضطرا لاعادة شدّ عصب شارعه، مناصيريه، محازيبه ومؤيديه في الوقت نفسه، هذا ان لم نقل انه بحاجة الى اعادة شدّ صفوف بعض نوابه، الذين باتوا بشكل لافت يغردون خارج الاطار الزمنيّ والمكانيّ له".
ويضيف المصدر: " لا نعني أبدا ان التيار اصبح يمثل 0% من المسيحيين، لكن أرقامه لم تعد نفسها لاسيما ان نَفَس المنتمين اليه، ميّال الى المعارضة والرفض، وهذا جزء لا يتجزأ من تاريخ النضال العونيّ.
لذلك، وانطلاقاً مما ورد، يقدم التيار في المرحلة الأخيرة على اعتماد الازدواجية في سلوكه السياسي، اذ انه اعلن الطلاق او عدم التوافق في أفضل الأحوال مع الشريك الاخير له (حزب الله)، وشنّ تجاهه حربا (تويترية) غير مسبوقة، ليعود ويتحالف معه في انتخابات نقابة المهندسين في بيروت بهدف التمكن من حصد مقعد في صفوفها.
كما ان (التيار) جاهر علنية ومن دون اي مواربة او خجل انه ضد التمديد للبلديات والمخاتير، لكنه كان اول الحاضرين الى الجلسة النيابية التي شرّعت التمديد التقني لسنة واحدة للمجالس البلدية والاختيارية في لبنان.
واللافت ليس فقط حضور (التيار) لهذه الجلسة، انما ايضا المواقف التي اعتمدها لتبرير خطوته الاخيرة، والتي جاءت تحت مفهوم الضرورة والحفاظ على ديمومة الحياة العامة في لبنان.
وهذه التبريرات، اكتسبت بحدّ ذاتها نوعا من الازدواجية، فـ (التيار) الرافض حضور اي جلسة تشريعية تحمل بنودا حياتية ملحة، والرافض الدخول في اللعبة الديمقراطية من بابها الواسع عبر الحفاظ على النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية، هو نفسه من قرر ان تأجيل الانتخابات البلدية، هو أكثر الحاحا وضرورة من بعض القوانين الاصلاحية ومن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية".
ويختم المصدر مؤكداً ان " حال بقية الاحزاب والتيارات في لبنان، ليست أفضل بكثير من (التيار الوطنيّ الحرّ)، لكن التباين بالمواقف الذي يعيشه الأخير بات معلنا جدا، ولربما سيتجلى في أفضل حلله في اي جلسة انتخابية يطرح فيها اسم رئيس (تيار المرده) سليمان فرنجيه بشكل صريح، حينها ستتبلور ازدواجية (التيار) عبر اصواته المشتتة بين (فرنجيه) وبعض الاوراق البيضاء او الملغاة".