تسيطرُ حركة الدّولار "الهادئة" نسبياً على أجواء عيد الفطر، إلا أنّ الترقّب لما ستشهدهُ الأيام المقبلة من تبدلات طارئة يبقى سيد الموقف. فوسط ذلك، هناك فرضيتان تبرزان بقوة لوضع سوق القطع: الأولى تقول إن صعود الدولار قد يأخذ طريقه مجدداً للتحقّق، فيما تأتي وجهة نظرٍ ثانية لتقول إنَّ الإستقرار النسبي سيدومُ خلال الفترة المقبلة وسط تقلبات طفيفة، وهذا الأمر يجب أن يرتبطَ بالإجراءات الأخيرة التي تُطبّق من قبل مصرف لبنان وأبرزها مواصلة ضخّ الدولارات عبر منصة "صيرفة" والتخفيف قدر الإمكان من سحب العملة الصعبة من السوق.
حتى الآن، ورغم أي فرضية مطروحة، لا يُمكن بتاتاً حسم ما قد يشهده السوق من تبدّلات، لكنّ ما يمكن حدوثه استناداً لحركة السوق قد يرتبطُ بـ3 أمورٍ وهي التالي:
- الأمر الأوّل وهو أنّ مصرف لبنان قد يُبادر إلى مُعاودة جمع الدولارات في وقتٍ قريب، وتقول المعلومات إنّ تلك العملية ستتصاعد تباعاً وبشكلٍ ملحوظ، والسبب هو أنَّ البنك المركزي سيكونُ بحاجةٍ إلى دولارات إضافية لتلبية رواتب الموظفين بعد الزيادات التي أقرّت مؤخراً، الأمر الذي يعني سيولة نقديّة مطلوبة بشكلٍ كبير، وبالتالي تسجيل ارتفاعٍ في السعر. إلا أنَّ هذا الأمر قد لا يتحقق في حالة واحدة، وذلك في حال نجح مصرف لبنان في تأمين سيولة الرواتب من دون إحداث خضّة في السوق، وهذا الأمر قد يحصل في حالة أمّن البنك المركزي التوازن بين الكتلة النقديّة التي يجري ضخها وتلك التي يبادر إلى سحبها لتوفير الرواتب على "صيرفة".
- الأمر الثاني والذي لا يمكن إستبعاده يتمثّل في استعداد السوق لتقلبات الأسعار. حتماً، الأمر هذا عادي وبديهيّ في ظل عدم إستقرار سعر الصرف أصلاً، وداخلياً، تكشف آخر حركةٍ للصرافين أنَّ هؤلاء بادروا إلى تحصين أنفسهم بالليرات اللبنانية، وما يجري هو أنَّ التّواصل يجري بين مُختلف الصرَّافين لتأمين المبالغ الطائلة من سيولة الليرة. وعليه، فإن ذلك يعني أن هناك كتلة نقدية ستبرزُ تباعاً من أجل "لم الدولار" مثلما حصل في أوقاتٍ سابقة.
- الأمر الثالث وهو تبدّل سعر الدولار على "صيرفة"، فالسعر قد يعود إلى 90 ألفاً وما فوق في غضون فترةٍ ليست بطويلة وذلك في حال حصول تغيرات كبيرة ضمن السّوق الموازية. إلا أن المشكلة لا تكمنُ هنا، بل تصلُ إلى حد إمكانية بدء مصرف لبنان بتقليص قبول "طلبات صيرفة"، ما يعني تجدد إشكاليات كانت حصلت ضمن المصارف سابقاً. لكنه وسط ذلك، فإنَّ البنك المركزي، ووفقاً للمعلومات، سيبقى مستمراً في إتمام كل الطلبات التي تم تقديمها لدى المصارف، فسواء أوقف التدخل عبر المنصة أم لا، فإن كل طلبٍ تم إتمامه على أساس "صيرفة" سيُسدّد عاجلاً أم آجلاً، وهذه الخطوة إيجابية نوعاً ما ضمن السوق وحتى على صعيد علاقة المواطنين بالمؤسّسات المصرفيَّة.
ماذا يجري في السوق الآن؟
آخر "صيحة" سائدة الآن في سوق الدولار تتمثل في دفع المواطنين إلى صرف مبالغ بالدولار زائدة عن حاجتهم، وذلك تحت حُجج عديدة أبرزها عدم توافر "فراطة دولارات" لإعادتها إلى الزبون، إشاعة كلام داخل مكاتب الصرافة أمام الزبون بشكل غير مباشر أنّ الأسعار ستهبط، الأمر الذي يدفع الأخير لبيع دولارات إضافية بحوزته على أساس سعر منخفض.
مع كل ذلك، فإنّ سوق الدولار يشهدُ أيضاً على "حذرٍ مدروس" من قبل الصرافين الذي يتجنّبون قدر الإمكان بيع مبالغ طائلة من الدولارات إلا في الحالات الطارئة أو في حال كانت هناك "بيعة محرزة" تتضمن "ربحاً كبيراً". ولكن، ورغم كل ذلك، فإنّ ما يجعل الصرافين قلقين هو أن بعض الجهات التي يتعاملون معها بدأت الضغط عليهم لتأمين دولاراتٍ وفق السيولة المتوفرة بأيديهم من الليرة، إلا أن السوق يشهدُ الآن ركوداً نوعاً ما، ما يعني أن الصدامات قد تحصلُ بين الذين يتعاملون بالدولار ومن هم وراءهم.
أمام كل هذا المشهد، يبقى لزاماً على المواطنين الإلتزام بصرف الدولارات وفق حاجاتهم، لكن هناك مشكلة أكبر وترتبطُ بالسحوبات عبر المصارف والتي جرى تقييدها مؤخراً. فالمواطن الذي لم يحصل على الليرة أو الدولار من المصرف، سيبادر لصرف أموال بالدولار موجودة بحوزته، ما يعني إخراجاً لكتلة نقدية مخبأة. حتماً، هذا ما تريده المصارف ومن خلفها مصرف لبنان، مع العلم أنّ النمط ليس جديداً بل كان سائداً لكنهُ ينشط الآن ضمن أساليب وأنماط وظروف مختلفة.
في خلاصة القول، ما يجب التذكير به أن الترقب هو الأساس حالياً، فمختلف الأطراف تنتظرُ ما قد يجري، إلا أن مصرف لبنان قد يُفاجئ السوق بتعاميم جديدة من الممكن أن تُطيل عمر "صيرفة" لمختلف الأشخاص.. فهل سيفعل رياض سلامة ذلك؟ وهل ستكون هناك صدمة إيجابية للسوق تؤدي حُكماً إلى تخفيض الأسعار ولو قليلاً؟