"سرقة الودائع" تتكرر في قطاع التأمين، إذ أنّ سيناريو تبخّر أموال المودعين ينسحب على بوالص التأمين المرتبطة ببرامج الإدّخار، المخصّصة للتقاعد والتعليم الجامعي والتأمين على الحياة، وما شابه. المعضلة أنّ شركات التأمين أو المصارف المتعاملة معها عملت ولا زالت على إعادة أموال برامج التأمينات باللولار، للعملاء غير القادرين او غير الراغبين بالإستمرار بها، بحيث عرضت عليهم إعادة أموال البوليصة، بقيمة 3900 في البداية، ومن ثمّ 8000 ليرة، ومقسّطة على دفعات شهريّة بسقوف محدّدة، أو بموجب شيك مصرفي تتراوح نسبته ما بين 15 و20 % من قيمة أموالهم، كخطوة تهدف إلى إقفال الحسابات وإنهاء البرامج. تمادت شركات التأمين والمصارف بفعلتها ولا زالت، ولم يقتصر تعاملها هذا مع العملاء الذين أرادوا إنهاء البرامج قبل آجال استحقاقها فحسب، بل شملت العملاء الذين استحقّت بوالصهم، وكانوا قدّ سدّدوا كل الدفعات بالدولار النقدي، كما يقول أحد المؤمّنين "كنت مرتبطًا ببرنامج ادّخار للتقاعد، طيلة السنوات السابقة كنت أسدّد الدفعة الشهرية بالدولار النقدي للمصرف، استمريت بذلك بعد الأزمة، وسددت كلّ الدفعات المتوجبة بالفريش دولار، وعندما بلغتُ سن التقاعد قبل أشهر قليلة، قصدت المصرف للحصول على بوليصتي، فتفاجأت برفض المصرف إعادة المبلغ المدّخر بالدولار وفق ما يقتضيه العقد الموقّع، ووضعوا المال في حسابي باللولار، متذرعين بتنصّل شركة التأمين".
من يضع حدّا لاحتيال شركات التأمين والمصارف المتعاملة معها؟ ما هو الإطار القانوني الذي ينظّم هذه العقود، وهل يحق لشركات التأمين أن تتذرع بالأزمة الماليّة لتعيد أموال البوالص باللولار على غرار ما تفعله المصارف مع المودعين؟
كرم: تسديد المبالغ الدولار
المحامي روجيه كرم، رئيس الجمعية اللبنانية لحماية المؤمّن لهم والمستشار القانوني للجنة مراقبة هيئات الضمان سابقاً، يلفت في حديث "
لبنان 24" إلى أنه يتوجّب على شركات التأمين في المنتجات التأمينيّة التي تتضمّن أدوات مالية أو تحتوي جوانب ادّخارية أو استثمارية أو ما يعرف بالـ Unit-Linked، أن تعيد وتسدّد كافة المبالغ وفق عملة العقد الفعليّة، أيّ بالدولار الأميركي الفعلي وبما يعادل قيمة الاسترداد الفعليّة، في حال تقرّر تصفية البوليصة. ويعتبر كرم أنّه لا يجوز لشركات التأمين التذرّع بأزمة المصارف لتبرير ردّ أو تسديد المبالغ بموجب شيكات مصرفيّة لا تعادل القيمة الفعليّة للمبالغ المدّخرة أو المستثمرة، على اعتبار أنّ تلك الشركات قد التزمت في عقودها ضمان تسديد وردّ المبالغ وفق عملتها وقيمتها الفعلية، فضلاً عن أنّ طبيعة عقد التأمين والغاية الضامنة أو الحمائيّة منه، تجعل موجب شركات التأمين أشدّ من موجب المصارف، حيث أنّ موجبها لا يقتصر على ردّ المبالغ المدّخرة كما الحال بالنسبة للمصارف، إنّما يتعدّاه إلى ضمان هذا الردّ.
تخوف من لجوء وزارة الإقتصاد إلى تشريع تسديد البوالص باللولار
وزير الإقتصاد أمين سلام يتابع ملف شركات التأمين في إطار سلطته الرقابية على القطاع، وفق معلومات "
لبنان 24" اجتمع سلام مع عدد من ممثلي القطاع، وطلب منهم تجميد ما يقومون به من إجراءات بحقّ المضمونين، ريثما يتمّ تنظيم التعامل بين شركات التأمين وعملائها، خصوصًا أنّ فريقًا من المراقبين في لجنة مراقبة هيئات الضمان يقوم بجولات ميدانية على عدد من شركات التأمين لمراقبة مدى إلتزامها بأحكام القوانين المرعية الإجراء. وقد صدرت قرارات بفرض غرامات بحق شركات لم تقدّم البيانات المالية إلى هيئة الرقابة. أوساط اقتصادية متابعة للملف لفتت إلى التداول بمعلومات، مفادها أنّه سيصدر قريبًا قرار أو تعميم عن وزير الإقتصاد، مبديّةً تخوفها من التمييز بين الأموال المدخرة في الداخل أو الخارج.
لا لتغطية اجراءات شركات التأمين التعسّفيّة
حول احتمال صدور هكذا قرار، أشار المحامي روجيه كرم "أنّه لا يصحّ في المبدأ التمييز بين مبالغ مدّخرة أو مستثمرة داخل لبنان وأخرى في الخارج، حيث يقع على شركات التأمين واجب ضمان ردّ تلك المبالغ أينما كانت، وفق قيمتها الفعليّة". من هنا، ينبّه كرم من خطورة ما يتمّ تداوله لناحية احتمال صدور قرار أو تعميم عن المرجع الرقابي، أيّ لجنة مراقبة هيئات الضمان في وزارة الاقتصاد والتجارة، يفرّق بين المبالغ المدّخرة أو المستثمرة في لبنان، وتلك التي جرى ادّخارها أو استثمارها في الخارج، لجهة ردّ وتسديد المبالغ في الداخل بموجب شيكات مصرفية "حيث أنّه من شأن ذلك أن يشكّل غطاءً رسميّاً لممارسة غير قانونية. علماً أنه رغم كلّ الملاحظات على قرارات مصرف لبنان لجهة تحديد سعر السحوبات وفق ما يسمّى بالدولار المصرفي المحلّي، لم يقدم أحد لغاية اليوم على إعطاء غطاء رسمي للمصارف لردّ الودائع بموجب شيكات أو باللولار، فلماذا يجري البحث في تبنّي هذا الأمر مع شركات التأمين. مع التذكير بأن وزير الاقتصاد قد أعرب في أكثر من مناسبة، بأنّه لا يرغب في تكرار تجربة المصارف في قطاع التأمين، وإن دور الوزارة في رقابتها على القطاع يهدف أوّلاً وأخيراً إلى حماية الجمهور".
ارفضوا تسديد البوليصة باللولار
انطلاقًا من مقاربته القانونيّة، وردًا على النصيحة التي يقدّمها إلى المنخرطين في هذه البرامج، دعا كرم المؤمّن لهم إلى التشبّث بحقوقهم، والمطالبة بتسديد كامل المبالغ وفق عملة العقد وقيمتها الفعليّة. معتبرًا أنّ أيّ قرار إداري خلاف ذلك غير ملزم للمؤمّن لهم، لمخالفته الأحكام والمبادئ القانونية العامة، وإن كان ملزماً للقطاع. ويلفت كرم إلى أنّه لا يجوز للمصارف التفاوض على تصفية عقود التأمين، حتى ولو كانت معقودة مع شركات تأمين مملوكة من قبلها. ويدعو المؤمّن لهم إلى التفاوض مباشرة مع شركات التأمين والرجوع إليها، لمطالبتها بتسديد المبالغ وفق العملة والقيمة الفعليّة لها، فالمصارف لا علاقة مباشرة لها مع المؤمّن لهم، وهؤلاء من حقّهم مطالبة شركات التأمين الالتزام بكامل موجباتها القانونيّة والتعاقديّة، بصرف النظر عن علاقاتها مع المصارف، وعن أوضاع تلك الأخيرة.
بالمحصلة، وإلى حين تنظيم علاقة شركات التأمين المؤمن لهم، من المهم أنّ يدرك المواطن المنخرط في برامج التأمين أنّ ما تقوم به شركات التأمين والمصارف بالتكافل والتواطؤ ، ليس سوى إجراءات تعسّفيّة وعمليات احتيال بحقّه، وأن يرفض هؤلاء تصفية بوالصهم، وأن يتصدّوا لبدعة اللولار، خصوصًا أنّ عملة هذه البوالص لم تكن يومًا بالليرة، كما أنّ الذريعة التي تستخدمها المصارف حيال الودائع، وهي أنّها أقرضتها للدولة، لا تنطبق على هذه البرامج.