رغم "النفور" الذي طرأ على خط ميرنا الشالوحي – حارة حريك خلال الأشهر الأخيرة، شاء "حزب الله" في ظلّ الوضع السياسي الراهن المترافق مع مستجدات "الشغور الرئاسي"، إبقاءَ توصله قائماً مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ولو ضمن الحدّ الأدنى من العمل السياسي. حتماً، الأمورُ على هذا المنحى تتجلى بقوة من خلال الإشارات "الإيجابية" التي حصلت بين الطرفين، وقد يكونُ اللقاء المُرتقب الذي حُكي عنه بين باسيل ومسؤول "وحدة الإرتباط" في "حزب الله" وفيق صفا مُقدّمة لـ"دوزنة" العلاقة حالياً من أجل تمريرِ ملف الإستحقاق الرئاسي ولو ضمن حدود ضيّقة من "التفاهم".
خلال الأيام الماضية، طُرح كلامٌ كثير عن هذا الإجتماع، لكن المفارقة هي أنه ما من جهة معنية به تحدّثت عنه علناً وأكدته أو حتى نفتهُ، فيما هناك إشاراتٌ تقولُ بإنَّه ما من لقاء سيجري بين باسيل وصفا قريباً. وبطبيعة الأحوال، وسواء حصل هذا اللقاء أو لم يحصل، تبقى الأهمية في مضمونه، علماً أن التواصل بين الطرفين المذكورين قد لا يكون مُنقطعاً أو لا يحتاج إلى إجتماعاتٍ لـ"ترميمه" باستمرار.
في الآونة الأخيرة، رُبط الحديثُ عن إجتماع صفا – باسيل بجُملة من التساؤلات عمّا سيبحثه. عملياً، التأويلات كانت كثيرة، فمنها ما ربط هذا اللقاء – إن حصل - بـ"إغراءات" سيُقدمها "حزب الله" لباسيل من أجل تسهيل وصول رئيس "تيار المرده" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ومنها من أعطى اللقاء بُعداً يرتبطُ بـ"تفاهم" يُحاك مُجدداً بين الحزب و "التيار" ضدّ الأقطاب المسيحيين وقوى المعارضة. كذلك، حُكِي عن أنّ هذا اللقاء قد لا يُبدّل في واقع الحال شيئاً، فباسيل ما زال مُتمسكاً بخياراته برفضِ فرنجية، وبالتالي لن يكون أي لقاء مُقبل مهما كان نوعه "العصا السحرية" لتغيير وجهة نظرهِ، وإلا في حال حصل ذلك، عندها ستُلازم باسيل صفة الخضوع لشروط "حزب الله" والقبول بـ"المحاصصة" التي يرفع شعاراتٍ دائمة برفضها. وإزاء كل ذلك، فإنّ التساؤلات التي تُطرح: على ماذا سيُفاوض "حزب الله" باسيل؟ هل فعلاً يريدُ الحزب تشكيل جبهة جديدة مع "التيار" لمواجهة القوى الأخرى وتحديداً المسيحية؟
في بادئ الأمر، يمكن القول إّن اللقاء - في حال حصوله علناً أو سراً - لا يعني أن "المياه ستعود إلى مجاريها السابقة" بين حارة حريك وميرنا الشالوحي. فمن ناحية، صحيحٌ أن وتيرة الخطاب الحاد بين الجبهتين قد تراجعت، لكنه في الوقت نفسه لا "تسوية" بين الجهتين طالما أن الخيارات الرئاسية ما زالت متباعدة. لهذا السبب، فإنه من غير المتوقع أن يُفاوض "حزب الله" باسيل على "إغراءات" كُبرى في التعيينات لا يمكنه أساساً ضمانها من الآن. فإذا كانت هناك رهانات بأن يُقدّم الحزبُ المراكز المتقدمة في الدولة كقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان لصالح "الوطني الحر" على "طبقٍ من فضّة ومحاصصة"، عندها ستكونُ المعركة المقبلة أشدّ وطأة من الحاليّة، وعليه ستنقضُّ مختلف القوى السياسية على "التيار" أكثر من الآن، وعندها ستكون العراقيل كبيرة لا بل وستكون المعارك السياسية أعتى من تلك التي شهدها عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون.
إزاء ذلك، فإنه ليس من مصلحة "حزب الله" بتاتاً الدخول في هذا الإطار من "الوعود" التي قد لا تُطبق، من أجل تعزيز حظوظ وصول فرنجية للرئاسة. فبكلّ بساطة، سيكون الحزب من خلالِ تكريسه لقوة "التيار" ضمن المحاصصة ومن أجل فرنجيّة حصراً، قد استنسخ مُجدداً تجربة عون التي تمّ الاعتراف ضمنياً بفشلها، وبالتالي أعادَ "الوطني الحر" إلى موقع "الآمر الناهي" في الدولة.. فهل سيتحمل "حزب الله" وزر ذلك مُجدداً؟ طبعاً لا، فالظروف اختلفت عن السابق، ومن السَّهل على الحزب التحرّر حالياً من ارتباطه بـ"التيار" أقله من خلال عدم تكريس "تقارب مُطلق" معه، لأنَّ ذلك سيستفزّ الآخرين مثل "القوات اللبنانية"، الحزب "التقدمي الإشتراكي" والجبهة النيابية المُرتبطة بـ"الطائفة السنية". أما الأمر الأهم فهو أنه في حال سلكَ الحزبُ طريق "إغراء" باسيل بمراكز أولى في الدولة، عندها سيؤكد المقولة التي تشيرُ إلى أنّهُ "المُسيطر على الدولة". وفعلياً، هذا الأمرُ ينفيه الحزب مراراً، وقد جدّد هذا النفي الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله في خطابه يوم الجمعة الماضي، حينما قال أثناء حديثه عن العلاقة مع سوريا: "لو كان حزب الله يُمسك بقرار الحكومات اللبنانية، لكانت تلك الحكومات منذ زمن شكّلت وفداً وذهبت إلى دمشق وبدأت المفاوضات".
لهذا، وأمام كل ذلك، ليس من صالح "حزب الله" بتاتاً الدخول مع باسيل في "تسوية" مرتبطة بالمُحاصصة، لأنه سيكون بذلك قد "استعدى" الحزب "الإشتراكي" مُجدداً، وسيكون قد ضرب علاقته أيضاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبالتالي ستكونُ المغامرة كبيرة. وأمام هذا الأمر وأكثر، سيكونُ أسهلَ على الحزب الإندماج ضمن "خطة ب" رئاسية بعيدة عن فرنجية تُرضي جزءاً كبيراً من الأطراف، لا أن يُكرّس تجربة عون مجدداً عبر فرنجية، وبالتالي إفشال الأخير وحرقهِ نهائياً.
في مُحصلة الأمر، يمكنُ القول أنَّ أيّ "دعسة ناقصة" في المرحلة الحاليّة سواء من قبل "الحزب" أو "الوطني الحر"، سترتدّ عليهما سلباً. الأمرُ هنا لا يعني ضعف الطرفين، لكن واقع القوى السياسية والكتل البرلمانية في مجلس النواب يستوجبُ قدراً من التفاهمات بمعزلٍ عن "المحاصصات" الفاقعة التي لا يمكن أن تمرّ بسهولة كما كان يجري سابقاً.