قد تكون عملية خطف المواطن السعودي مشاري المطيري على طريق المطار محض صدفة، وقد تكون حادثًا فرديًا لا علاقة له بالوضع السياسي القائم في البلاد، كما حاول البعض تصوير الأمر. ولكن مجرّد حصول حادثة الخطف على طريق المطار فإن ثمة من لا يتردّد بطرح الأسئلة، التي تصبّ في خانة الذين يعادون "حزب الله" سياسيًا، ولا يُلامون. لأن هذه الحادثة، وعلى رغم أنها انتهت على خير بفضل الجهود التي قامت بها مديرية المخابرات في الجيش لتحرير المواطن السعودي بأسرع مما كان يتوقعه البعض. ولنا تفصيل لما يقوم به الجيش من عمليات بطولية في مجالي الأمن الوقائي والأمن الاستباقي والاستلحاقي.
وبغض النظر عمّا إذا كان حادث الخطف فرديًا أو له علاقة بوضعية معينة مرتبطة بطبيعة المنطقة، التي تمت فيها عملية الخطف، فإن السؤال، الذي يجب أن يطرحه كل مواطن يسلك هذا الطريق يوميًا أو أي طريق آخر من طرقات لبنان، ساحلًا وجبلًا، هو سؤال تلقائي وطبيعي وبديهي: من يضمن سلامة المواطنين، ومن يسهر على أمنهم، ومن هي الجهة المستفيدة من غياب الدولة بكل أجهزتها، أو تغييبها عن سابق تصّور وتصميم، وما هو التفسير الذي يمكن أن يُعطى للسائح العربي، وبالتحديد السائح الخليجي، عن طبيعة هذه العملية، وكيف يمكن ضمان أمن المسافرين؟
هذه الأسئلة وسواها لا يمكن فصلها عمّا يدور في أذهان بعض المتوجسين، الذين يحاولون ربط الأمور بعضها بالبعض الآخر، وهم لم يتوانوا عن ربط حادث الخطف عن المناورة العسكرية، التي أجراها "حزب الله" الأسبوع الماضي في عرمتى، والتي اخذت طابعًا لا يمكن استثماره في ما يؤمل من اتصالات تُجرى في العلن وفي السرّ لفك أسر رئاسة الجمهورية المخطوفة هي بدورها.
ولا يُخفى ما يُحكى عن التأثيرات السلبية لهذه العملية، التي لا تصبّ في خانة ما يُبذل من جهود رسمية لإقناع السياح الخليجيين بالقدوم إلى لبنان لتمضية فصل الصيف في ربوعه، مع ما يعكسه هذا الأمر من انفراجات اقتصادية، وما يعيد عامل الثقة المفقود بين لبنان والأشقاء العرب، خصوصًا أن الاتصالات الجانبية التي أجراها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على هامش القمة العربية في جدة، فتحت باب السياحة الخليجية "نصف فتحة"، على أن تُستكمل هذه الاتصالات بما يطمئن السائح الخليجي، الذي لن يتأثر سلبًا بهذه الحادثة الفردية، على حدّ ما أوضحه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، بعد عملية التحرير، التي لم تكن لتنجح لو لم يقم الجيش، قيادة وضباطًا وأفرادًا، بهذه العملية النوعية، التي لاقت استحسانًا من قبل جميع القوى السياسية المحلية، والتي أشادت بالدور الذي تقوم به المؤسسة العسكرية، على رغم الظروف الاقتصادية الصعبة والقاسية، التي تعاني منها.
فلولا الجيش بكل مديرياته، وبالتعاون والتنسيق مع سائر القوى الامنية، لما حُرّر المواطن السعودي بهذه السرعة، ولما كان فتيل تخريب علاقة لبنان بالدول العربية قد نُزع، ولما كان الارتياح العام قد أرخى بظلاله على الأجواء المتشنجة.
بكلمة واحدة ووحيدة يقولها اللبناني وغير اللبناني أن الجيش سيبقى صمام الأمان، وخشبة الخلاص، والأمل المرجو للخروج من هذا النفق الطويل.
فتحية من طريق المطار، ومن كل طرقات لبنان، إلى الجيش. تحية إكبار واجلال، على أمل أن تعود الدولة دولة بكل ما للكلمة من معنىً، وأن تكون المؤسسة العسكرية جسر عبور من مرحلة الركود إلى مرحلة التعافي، وهي لا بدّ آتية.