كتب ابراهيم بيرم في" النهار": صار معلوماً، ان انكشاف الأمور عن ميزان تعادل سلبي بين الفريقين المتصارعين يحول دون أن يأتي أحدهما برئيس من لدنه أو على شاكلته.لذا بات كل منهما محكوماً بلعبة ملء الوقت المستقطع بانتظار بروز معطى خارجي يساعد في أمرين:
– إما أن يحسم لمصلحة أي منهما فتتغلب إرادته على إرادة الآخر وظروف ذلك الخيار غير مهيّأة إطلاقاً.
– وإما ممارسة مزيد من الضغوط الداخلية والخارجية فيساعد ذلك على إنضاج تسوية تنتج رئيساً على أن يكون الأمر مقروناً بتفاهم على كل ما يلي ملء الرئاسة الأولى.
وبناءً على ذلك أيضاً، تلاحظ تلك المصادر أنه في هذا السياق ارتفع في الأيام العشرة الأخيرة منسوب الكلام عن مسألة الجنوح نحو خيار الحوار. فلجأ الرافعون لهذا الشعار والمتبنّون له منذ زمن الى إعادة الاعتبار إليه والتركيز على أهميته بعد التجارب العقيمة لجلسات الانتخاب المتتالية، فيما انصرف المعارضون لهذا الشعار والمتوجسون منه الى إطلاق موجة تشكيك في جدواه.
ومع ذلك استجدّ عنصران أخيراً ودخلا بقوة على خط هذا الانقسام والجدال الدائر حول الحوار وهما:
– تنصّل الرئيس بري من الدعوة الى الحوار باعتبار أنه لم يعد يمتلك أهلية تبيح له حمل راية هذه الدعوة ودور رعايتها منذ أن بادر الى تسمية سليمان فرنجية مرشحه للرئاسة الأولى ومن ثم تولى الترويج لهذا الخيار والدفاع عنه.
– ومنذ ذلك الحين بدت الدعوة الى الحوار وكأنها صارت فكرة يتيمة مجردة معلقة في الهواء لا تجد من يتحمّس لها ويتبنّاها الى أن أتى من باريس من يتحدث عن أن فرنسا أوفدت الى بيروت الممثل الشخصي لرئيسها جان إبف لودريان في مهمة معلنة وهي البحث عن مخارج لأزمة الشغور الرئاسي والاستعصاء السياسي المتأتي عن هذه الأزمة، مع العلم بأن العاصمة الفرنسية صاحبة المبادرة المعروفة منذ زمن قد دخلت طور البحث عمّا يطوّر تلك المبادرة بعد العقبات التي واجهتها.
الأمر بالنسبة للمصادر نفسها أن الكلام عن الحوار ما زال في إطار التكهّن ودائرة الكلام والتأويل ليس إلا، خصوصاً أن الحزب لم يتبلغ أي جديد من باريس بعد جولة موفدها الشاملة في بيروت، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الأطراف السياسيين الآخرين. وجلّ ما تناهى الى علم هذه المكوّنات أنباء إعلامية تتحدث عن أن لودريان يحضر لمسوّدة حوار بين اللبنانيين وأنه استطراداً يمكن أن تكون إحدى المدن الفرنسية مكاناً لطاولة الحوار المنشودة. وثمة من تسرّع بالحديث والاستنتاج عن طبيعة هذا الحوار وهل سيكون سان كلو آخر أم دوحة ثانية أم طائفاً جديداً. ومازاد في حماوة الأمر أن الكلام عن الحوار يأتي مترافقاً مع كلام عن أن ثمة رغبة شيعية في عملية إصلاح عميقة تعزز من الحضور الشيعي في الحكم.
وفي كل الأحوال وفي انتظار ما يبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود فإن "حزب الله" يعيد على من يطرح عليه السؤال عن تقديراته لمآلات الأمور في المرحلة المقبلة تذكيره بثوابته المعروفة وهي:
– "نحن متجاوبون الى أقصى الحدود مع المبادرة الفرنسية وننتظر عودة لودريان وما يمكن أن يحمله من أفكار ومقترحات ليُبنى على الشىء مقتضاه.
– نحن نرفع شعار الدعوة الى الحوار على ألا يكون مسبوقاً بأية شروط.
– وإلى ذلك الحين ما زلنا مصرّين على أن مرشحنا الطبيعي للرئاسة هو فرنجية ولسنا في وارد التخلي عنه خلافاً لكل ما أشيع في الآونة الأخيرة".