لا مؤشّرات تُوحي بأنّ الملف الرئاسيّ يسير نحو الحلّ، إذ أنّ كلّ فريقٍ في الداخل لا يزال يدعم مرشّحه، فيما "الثنائيّ الشيعيّ" يُولي أهميّة كبيرة للدور الفرنسيّ، ولأيّ مبادرة جديدة ربما ستطرحها باريس قد تصبّ لمصلحته. وكما كان واضحاً، فإنّ وزير الخارجيّة السابق جان إيف لودريان اصطدم بالمواقف عينها في زيارته الأخيرة للبنان، ما يُصعّب مهمّته كثيراً، إذ أنّ المعارضة ترفض أيّ حوارٍ مع "حزب الله" و"حركة أمل"، من دون تنازلهما مسبقاً عن ترشّيح رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجيّة، الأمر الذي سيفتح ثغرة في الأزمة الرئاسيّة، وصولاً لإيجاد مرشّحٍ مشترك بين الجميع، يُنهي الخلاف السياسيّ الحادّ بين الأفرقاء، ويُخرج البلاد من الفراغ.
في الشكل، أيّ شخصيّة من حقّها أنّ تستمرّ بالترشّح، لكن المشكلة التي تُواجه فرنجيّة بحسب مراقبين هي أنّ فريقه متمسّك به إلى النهاية، بينما المعارضة أو بالأحرى داعمي الوزير السابق جهاد أزعور، أبدوا استعداداً في البحث عن أسماء وسطيّة أخرى، مثل قائد الجيش العماد جوزاف عون.
في المقابل، لا يرى فرنجيّة نفسه حتّى الساعة بأنّه هو السبب بعدم إنتخاب الرئيس، وهو مستمرّ بترشّحه، متسلّحاً بالدعم الذي يُوفّره له "الثنائيّ الشيعيّ"، إضافة إلى العوامل الإيجابيّة في المنطقة عبر التقاربات العربيّة – العربيّة، والخليجيّة – الإيرانيّة، التي رأى فيها فريق "الممانعة" أنّها تخدم مصالحه وأهدافه، وخصوصاً من ناحيّة إيصال رئيسٍ من "فريق الثامن من آذار". وأكثر من ذلك، فإنّ فرنجيّة استطاع أنّ يحصل على 51 صوتاً في آخر جلسة دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ويعتبر المراقبون أنّ هذا الرقم مهمّ جدّاً، ومن خلال أيّ مبادرة خارجيّة، أو إنتقال أيّ فريق من الوسطيّة أو من دعم أزعور لخندق فرنجيّة، قد ترتفع حظوظ رئيس "المردة" إلى 60 صوتاً.
وتجدر الإشارة إلى أنّ فرنجيّة أبدى رفضاً لطرح بدلاء عنه، من خلال الكلمة التي ألقاها في ذكرى "مجزرة إهدن"، عندما هاجم بشكل خاصّ الوزير السابق زياد بارود الذي يحظى بتأييد نواب مستقلّين، ومن "التغيير"، ولا "فيتو" عليه من العديد من النواب المعارضين، وأيضاً من قبل "التيّار الوطنيّ الحرّ". ويتّضح أنّ فرنجيّة ليس مستعدّاً أو غير مقتنع بعد بضرورة الخروج من المنافسة الرئاسيّة، فالبنسبة لـ"حزب الله"، فان وصوله يعني إنتصار "الممانعة" مرّة جديدة في لبنان كما في المنطقة، وهو ضرورة قصوى لاستمرار هذا المحور الذي يُحاصر "إسرائيل" من الجولان المحتل، وجنوب لبنان، وفلسطين، فإذا وصل أيّ رئيسٍ وسطيّ أو لديه ملاحظات على موضوع الحياد، فإنّه سيكون هناك خطرٌ على مشروع هذا الطرف.
ورغم أنّ إيران أبدت عدم رغبتها بالتدخّل رئاسيّاً، فإنّها من دون شكّ تقف وراء فرنجيّة بقوّة، لأنّ لا مرشّح غيره على الورق قادر على مسايرة "حزب الله"، وتسهيل أمور "المقاومة" العسكريّة ودعمها في جنوب لبنان، أو خارج حدود الوطن إذا دعت الحاجة لذلك. وأيضاً، فإنّ عودة دمشق إلى لعب دورها عربيّاً، وانتصارها في الحرب على الإرهاب، وبقاء بشار الأسد في موقع الرئاسة، عوامل تُعزّز من ترشّيح رئيس "المردة"، لأنّ المنطقة لم تشهد تغيّرات، وبقي "الممانعون" في مواقع السلطة.
ازاء ما تقدّم، يلفت المراقبون إلى أنّ "حزب الله" يقراً جيّداً ما يجري في المنطقة، وهو يعمل من خلال إيصال فرنجيّة إلى بعبدا، على جرّ لبنان إلى الحضن السوريّ، وإحياء العلاقات بين البلدين كما في السابق. ويُضيف المراقبون أنّ حارة حريك لن تقوم تحت أيّ ظرفٍ أو مبادرة بالتنازل عن فرنجيّة، لأنّ عدم إنتخابه يُشكّل خسارة كبيرة ليس فقط لها، وإنّما لإيران وسوريا والمقاومة في فلسطين.
وبينما يعمل لودريان على تهيئة الظروف للحوار، فإنّ "حزب الله" لن يتجاوب مع أيّ فكرة فرنسيّة قد تستثني فرنجيّة. ويُشير المراقبون إلى أنّ أيّ محاولة لعزل مرشّح "الثنائيّ الشيعيّ" ستُقابل بتشدّدٍ أكبر من قبله، ويوضحون أنّ قرار الترشّيح أو الإنسحاب ليس بيدّ "زعيم بنشعي"، وإنّما عند "الحزب" الذي لديه أجندات خارجيّة طارئة، تضعه أمام مسؤوليّات كثيرة، وخصوصاً لجهّة إنتخاب رئيسٍ "ممانعٍ" يحافظ على المشروع الإيرانيّ في لبنان والمنطقة.