كتب نقولا ناصيف في" الاخبار": مع ان عمره ستة عقود منذ وضعه عام 1963، يُعثر في قانون النقد والتسليف على حل المشكلة الجديدة المسماة حاكمية مصرف لبنان، أكثر منه في العقول المتفتقة أخيراً عن خيارات تقفز فوق القانون: مرة بالتمديد، واخرى باستقالات جماعية، وثالثة بتسيير الاعمال، ورابعة بالاستجارة بالظهير.
في لحظة نادرة، تتواطأ السياسة مع القانون دونما ان تتعارضا للانصياع الى المخارج الفعلية والجدية التي قدمها قانون النقد والتسليف:
1 - ما دام قانون النقد والتسليف يملأ في النص الشغور الموقت والدائم لمنصب حاكمية مصرف لبنان، يمسي التفكير حتى في تمديد الولاية مناقضاً لجوهر القانون. تملأ المادة 25 الشغور الدائم لمنصب الحاكم - الى حين تعيين خلف - بانتقال الصلاحيات الى نائبه الاول، وتملأ المادة 27 الشغور الموقت بالنائب الاول ثم بالنائب الثاني اذا تعذر الاول في فترة الغياب تبعاً للتفويض المعطى من الحاكم الى اي منهما. لا اسباب موجبة عندئذ للتمديد ولا يعدو كونه سوى موقف سياسي يتعارض مع احكام القانون. تسقط بذلك حجة الضرورات تبيح المحظورات. في ظل قانون نافذ منذ عام 1963، لستة عقود خلت، يخلو من فجوات ويوفر الحصانات اللازمة القانونية والوظيفية، تفقد القاعدة تلك جدواها.ثمة ما هو مهم ايضاً في قانون النقد والتسليف بتمييزه في المادة 18 ولاية الحاكم (ست سنوات) عن ولاية نوابه (خمس سنوات)، يراد منه ضمان استمرار المؤسسة في غياب رأسها فلا يخضع الحاكم ونوابه الى مهلة زمنية واحدة في التعيين وانتهاء الولاية. ما عنته المادة تلك سد ثغرة الشغور المحتمل. الى ان يعيّن حاكم جديد يكون نوابه موجودين. العكس صحيح كذلك. تنتهي ولاية النواب الاربعة بينما الحاكم على رأس الحاكمية.
2 - ما لا تنص عليه المادة 62 في الدستور عن انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة الى مجلس الوزراء عند نهاية ولايته او شغور المنصب، في وقت لا تزال المادة هذه عرضة للتأويلات والاجتهاد، تفصح المادة 25 في قانون النقد والتسليف عن آلية انتقال الصلاحيات عند شغور المنصب، وهي «تولي نائب الحاكم الاول مهمات الحاكم ريثما يعين حاكم جديد». فيما تشعّب تفسير الصلاحيات المنتقلة الى مجلس الوزراء في المادة 62 وكذلك ما نجم عنها من نصاب القرارات وتوقيع المراسيم وحدود دور رئيس مجلس الوزراء وكل من الوزراء على نحو سجالات الشغور الرئاسي مرة بعد اخرى، لا لبس في ما تنص عليه المادة 25. لا انتقاص من الصلاحيات ولا توزّعها ولا اجتزاءها، بل حصرها كلها في النائب الاول كما كانت في عهدة الحاكم. غالباً ما تولى نائب الحاكم صلاحياته في مراحل شغور موقت كالغياب عن البلاد.
3 - لا يملك النواب الاربعة الحاليون الاستجارة بمرجعيات تعيينهم للحصول على غطاء سياسي للمرحلة المقبلة في غياب حاكم لمصرف لبنان وانتقال الصلاحيات الى اولهم. ما يطلبونه من المرجعيات تلك - وبينهم مَن قصد بعضاً منها عارضاً المشكلة وعائداً بخفي حنين - يملكونه في قانون النقد والتسليف وهو الحصانة السياسية والمهنية المعطاة اليهم في اتخاذ قراراتهم باستقلال كلي. لا يعدو استنجاد «الودائع» بأصحابها الا تخلياً عن صلاحياتهم وتجييرها اليهم، على نحو مطابق لودائع المرجعيات نفسها في القضاء والاسلاك العسكرية والامنية والادارة.4 - لأنهم غير معنيين بتعيين حاكم جديد، وهو مسؤولية مجلس الوزراء في سلطة اجرائية مكتملة المواصفات وفي حضور رئيس للجمهورية، يمسي النواب الاربعة معنيين تبعاً للقانون، في ظل النائب الاول كحاكم موقت، بادارة مصرف لبنان وتحديد سياسته النقدية، وإن في مرحلة فقد فيها الوظائف الفعلية المنوطة به. مثلما اضحت المصارف اقرب الى كونتوارات، بات مصرف لبنان يُختصر باحدى مديرياته هي مديرية القطع. لا عمل له سوى «صيرفة». عاجز عن وقف انهيار سعر الصرف وارتفاع التضخم وصد السوق السوداء وتفعيل عمل القطاع المصرفي.