كتب طارق ترشيشي في "الجمهورية": في رأي سياسيين، فإنّ الاستثمار السياسي والطائفي في حادثة الكحالة، لم يغيّر في واقع الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً عبر محاولة إحباط الحوار الجاري بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" والذي أوشك التوصل الى نتيجة عملية تشير المعلومات الى انّها ستصبّ في مصلحة ترشيح فرنجية، فتورّط نواب من "التيار" في تصريحات معادية لـ"الحزب" سرعان ما عولج، بتنبيه الرئيس ميشال عون من الفتنة، مؤكّداً أنّ "المطلوب اليوم هو التهدئة، بدل التحريض، ومدّ جسور الثقة بدل بث سموم الكراهية، وانتظار نتائج التحقيق".
ويقول هؤلاء السياسيون إنّ الحوار بين "التيار" و"الحزب" أربك المعارضة وجعلها تضرب الأخماس بالأسداس قبل عودة الموفد الفرنسي في ايلول المقبل، ويدل إلى ذلك هجوم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع على ما سمّاه "التحالف الشيطاني" بين "حزب الله" و"التيار"عندما قال في مؤتمره الصحافي الاخير، إنّ "المسؤول عن الوضع المأسوي الّذي نحن فيه، هو التّحالف الشيطاني بين محور الممانعة و"التيار الوطني الحر"، اللّذين كانا متحكّمَين خلال السّنوات الـ10 الأخيرة بالحكم، بشكل أو بآخر".
مع هذا، فإنّ خروج "التيار" من التقاطع مع المعارضة على الوزير السابق جهاد ازعور، دفع الاخيرة إلى مراجعة مواقفها وحساباتها، واكتشاف انّها لا تستطيع النفاذ بمرشح من كنفها، حتى ولو كان قائد الجيش جوزاف عون، الذي لا تخفي انّها في وارد السير به، ولكنها في الوقت نفسه تدرك انّه إذا لم يحظ بتأييد "التيار" لا يمكنه الوصول، هذا في حال توافر نصاب الثلثين لتعديل الدستور في الاتجاه الذي يجيز لمجلس النواب انتخابه.
يقول سياسي مخضرم، انّ من يتحدثون عن "سقوط" الاتفاق السعودي ـ الايراني، انما يعبّرون عن فرضيات ليست موجودة اساساً لا لدى المملكة العربية السعودية وايران اللتين تقاطعت مصالحهما الحيوية على هذا الاتفاق الذي يقوم على سياسة "صفر مشكلات" في هذه المنطقة التي لم تعد تتحمّل استمرار النزاعات على ساحتها. فالمملكة كما ايران انما ذهبتا الى الاتفاق لاقتناعهما انّ استمرار النزاع المباشر وغير المباشر بينهما لم يعد في مصلحتهما ولا في مصلحة المنطقة وشعوبها عموماً.
وإذا كان من السهل على البعض القول انّ اتفاق بكين قد سقط، فإنّ من الصعب عليه أن يقدّم دليلاً دامغاً على ذلك، فما يُشاع في الإعلام او عبر بعض الرسائل السياسية المشفّرة شيء وما يدور في الواقع شيء آخر، فهذا الاتفاق تنفيذه جارٍ وسيبلغ الأهداف المتوخاة منه، وسيكون للبنان حصة فيها، إن لم تظهر الآن فإنّها ستظهر لاحقاً، وهي مرهونة بتوقيت اصحابه وليس بتوقيت غيرهم.
وكتبت روزانا بو منصف في "النهار": كل من ايران والنظام السوري يستخدمان لبنان كما عهدهما دوما من اجل المساومة على تحصيل ما يمكنهما تحصيله في الحديقة الخلفية التي يوظفانها لهذا الغرض كما لتعزيز نفوذهما. واذا كانت المهلة التي حددها الوفد الفرنسي جان ايف لودريان من أجل انهاء الازمة هي أيلول المقبل، فإن أصحاب هذا السؤال يضيفون اليه ما اذا كان لودريان ربط بين هذه النتائج المتوقعة للحوار الايراني الاميركي القائم منذ اشهر طويلة ولم يقع في الاسابيع الاخيرة مثلا .
تبعاً لذلك، يبدو بديهياً أن يتساءل اللبنانيون ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة اليهم فيما تستبعد مصادر سياسية عليمة هذه القراءات انطلاقا من جملة عوامل قد يكون ابرزها في رأيها أولاً أن اللبنانيين باتوا يتمسكون بأي معطى اقليمي يرون فيه احتمالات الافراج عن ازمتهم على رغم أن هذه الآمال قد لا تكون في محلها في غالب الاحيان كما اظهرت تطورات كثيرة من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، الرهان على انعكاسات لتفاهم بكين على الازمة اللبنانية او لاعادة بشارة الاسد الى الجامعة العربية.
ثانياً، إنّ الايرانيين يسعون الى اكثر من ذلك كاثمان من اجل الافراج عن استرهانهم حتى للازمة الحالية في لبنان ولا يتوهم احد في الحديث عن استرهان لبنان ككل في الوقت الذي تتعامل الولايات المتحدة بادارتها الديموقراطية الراهنة مع ايران على القطعة ولا تستطيع الذهاب ابعد من ذلك في ظل الانتقادات من الحزب الجمهوري حتى للصفقة الاخيرة حول اطلاق السجناء والافراج عن ارصدة ايرانية مجمدة وبدء الحملات للانتخابات الرئاسية المقبلة.
هذا الأمر يقود الى ما يستنتجه أو يعلمه كثر وهو أن الاميركيين ليسوا في وارد الدخول في اي مساومة من هذا النوع انطلاقاً من ان لبنان ليس على جدول أعمالهم أو أولوياتهم ولا يحتل موقعاً في أي مقايضة مماثلة ولن ينخرط الاميركيون ، وفق ما اظهر تعاملهم مع الازمة الرئاسية اي من خلف ومن دون قيادة او دور اساسي، في اي امر يرغب الايرانيون استدراجهم اليه من اجل تحقيق مكاسب في المنطقة .
وفعلياً، فإن هذا لم يحصل من اجل ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل على رغم المقدار الكبير من الاهمية لدى الولايات المتحدة لانجاز هذا الملف نظراً لمدى اهميته بالنسبة اليها والى اسرائيل كما للبنان. ففي كل مراحل الازمة الرئاسية التي على وشك ان تكمل السنة، لم تكن هناك اي حماسة لادخال ايران على نحو مباشر وعلني في اللعبة الرئاسية علما ان الاخيرة تختفي وراء " حزب الله" وليس ثمة اقرار بوجوب ان يكون لها اي دور في ذلك وفقاً لمصادر ديبلوماسية.