يبدو المشهد الداخلي مع الأسبوع الطالع كأنه شحن بجرعة كبيرة إضافية من التوتر والتعقيد وزيادة الغموض حيال كل الاحتمالات المطروحة لازمة الفراغ الرئاسي الموضوعة في محجر التجميد وانتظار "حوار أيلول" المقترح. وتتركز عملية الرصد السياسي في الأيام القليلة المقبلة على ملفين بارزين أولهما يتصل باختبار جديد لـ"لتشريع الضرورة" في ظل الدعوة الموجهة من رئيس مجلس النواب نبيه بري الى النواب لعقد جلسة تشريعية للمجلس الخميس المقبل. اما الملف الثاني الآخذ في توهج تصاعدي فهو رصد التأثير الفوري والاجرائي لتوزيع تقرير التدقيق الجنائي الذي وضعته شركة "الفاريز اند مارسال" على مجريات التحقيق القضائي الجاري في ملف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة والذي أصابه الجمود الأسبوع الماضي بفعل ما بات يوصف بـ"صراع قضائي" يخشى ان يستعيد تجربة الصراعات التي عرفها التحقيق العدلي في ملف انفجار بيروت عقب دعاوى المداعاة بين القضاة المعنيين.
وكتبت" النهار": بات بحكم المؤكد ان التقرير الذي شكل بوقائعه الإدانة الأقوى محليا وخارجيا لسياسات سلامة، ولو انه لا يغطي سوى المرحلة ما بين 2015 و 2020، تحول الى عامل الضغط الأقوى قضائيا وقانونيا ومعنويا على الجهات القضائية المعنية بملاحقة ملف سلامة للإسراع في استكمال الإجراءات المتعلقة بإنجاز التحقيقات الجارية معه ومع شقيقه ومساعدته ومن ضمنها بت ما بات يتم تداوله على نطاق واسع من ترجيح اصدار مذكرة بتوقيفه، ولكن هذا الامر لا يزال عالقا بين الاحتمالات بعدما أدى عدم تبليغ سلامة بموعد مثوله امام المحقق المرة الماضية كما ان نشوء دعوى مقاضاة من ممثلة الدولة في وجه قاضي التحقيق أدى الى تأخير إضافي في بت هذا الاجراء.
وتعتقد أوساط متابعة لمجريات هذا الملف قضائيا ان المضمون المتصل بالسياسات والهندسات وأسلوب إدارة المسؤولية الأولى عن مصرف لبنان واوجه الانفاق المالي العام والخاص كما ثبتها تقرير التدقيق الجنائي سيؤدي الى ارغام المعنيين القضائيين والرسميين ( الحكومة وزارة العدل كما مجلس النواب بلجانه المختصة) على الإقلاع عن موقف المتفرج والضغط على القضاء لبت التباينات والتجاذبات بين القضاة المعنيين لادخال مضمون التقرير في صلب الملف الذي يلاحق به سلامة وما يتطلبه ذلك من إجراءات عاجلة لا تحتمل تمييعا .
وكتبت" الديار": من المتوقّع أن تستمر تداعيات تقرير التقدير الجنائي الذي قامت به شركة «ألفاريز آند مارسال» لوقت طويل. فالتقرير الذي أظهر الكثير من المُخالفات المحاسبية في حسابات المصرف المركزي، شكّل بحسب مصدر قانوني، إدانة واضحة للدولة. ففي هذا التقرير ورد جدول يُظهر أن الدولة اللبنانية ومنذ العام 2010 إلى العام 2021، إقترضت من المصرف المركزي ما مجموعه 47.8 مليار دولار أميركي (بالعملة الصعبة)، وهي الفجوة الموجودة في حسابات المصرف المركزي، بحسب التقرير.
ويُضيف المصدر القانوني، ان شركة كهرباء لبنان أخذت من المصرف المركزي عملًا بالقوانين ما مجموعه 19 مليار دولار أميركي ، بالإضافة إلى 5.6 مليار دولار أميركي لوزارة الطاقة والمياه، أضف إلى ذلك ما يُقارب الـ 24 مليار دولار أميركي للقطاع العام! وسأل المصدر هل للحكومة أن تقول للرأي العام أين صُرفت هذه الأموال؟
ويُضيف المصدر القانوني أن المسار الطبيعي هو نحو تدقيق جنائي في حسابات الدولة ، لمعرفة أين ذهبت هذه الأموال وأين صرفت، خصوصًا مع الفضائح التي تطال 27 مليار دولار أميركي مجهولة المصير في حسابات الدولة اللبنانية. إلا أن هذا المسار لن يُبصر النور بحسب المصدر ، لأن الجميع يده مُدّت على المال العام، وهو ما سيعني مُحاولة حصر المسؤولية بشخص رياض سلامة من دون تحمّل الآخرين مسؤولياتهم في الإنفاق غير المبرّر. وإذ إعتبر المصدر أن التقرير سيذهب إلى «مقبرة» اللجان النيابية، أشار إلى أنه من المستحيل على السلطة الحالية أن تُحاسب نفسها بنفسها.
وكتبت رلى ابراهيم في" الاخبار":تعتزم رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر طلب نسخة رسمية عن تقرير التدقيق الجنائي من وزارة المال اليوم. للاطّلاع عليه قبل تقديمه إلى الهيئة الاتهامية لضمّه إلى ملف دعواها ضد حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، إذ يعزّز هذا المستند موقف الدولة اللبنانية في القضية.
ويفترض أن يمثل سلامة أمام الهيئة الاتهامية في 29 الجاري برئاسة القاضي ماهر شعيتو بالمناوبة، بعد تعذّر قوى الأمن الداخلي تبليغه في التاسع من هذا الشهر، خلال مناوبة القاضي سامي صدقي. وإذا ما تكرّر الأمر مجدداً، أي تعذّر على القوى الأمنية إيجاده، سيتم تبليغ الحاكم لصقاً على باب عنوان سكنه الأخير مع إعطاء نسخة من التبليغ إلى مختار المنطقة ولصق نسخة على إيوان المحكمة. وعندها سيكون سلامة أمام خيارين:
الأول، المثول أمام الهيئة وانتظار قرارها بتوقيفه أو تركه بسند إقامة كما فعل القاضي شربل أبو سمرا، علماً أن قرار توقيفه وجاهياً سيكون هو المرجّح، ولا سيما بعد تأكيد تقرير التدقيق الجنائي، بما لا لبس فيه، أن الحساب الذي تقاضت شركة «فوري» (يملكها شقيقه رجا) عمولات منه هو ضمن حساب موازنة مصرف لبنان، وبالتالي لم تكن هذه الأموال خاصة.
الثاني، عدم المثول أمام الهيئة بحجة عدم تبلّغه، ما يضع الطابة في ملعب الهيئة بوجوب إصدار مذكّرة توقيف غيابية بحقه ليصبح مطلوباً في بلده أيضاً، ويُعمّم اسمه ككل فارّ من وجه العدالة على كل الحواجز الأمنية والمخافر والمعابر الحدودية. ويدور الحديث هنا عن «ضياع» في الهيئة الاتهامية لناحية مسؤوليتها في هذا الملف، خصوصاً في ظل العطلة القضائية. ففيما كانت القاضية ميراي ملاك هي من استجابت لطلب إسكندر بفسخ قرار أبو سمرا، استطاع القاضي صدقي من اجتياز هذا الامتحان عبر تأجيل الجلسة لتعذّر تبليغ سلامة. وبات الملف في عهدة القاضي الذي حلّ مكان صدقي، أي شعيتو، ليتخذ قراراً بشأنه. على أن ثمّة مساعيَ لإيجاد منفذ يقضي بتأجيل الجلسة إلى حين تعيين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله قاضي تحقيق جديداً خلفاً لأبو سمرا الذي يُحال إلى التقاعد في 9 تشرين الثاني المقبل.