لم تكن بيانات السفارات الخليجية وعلى رأسها بيان السفارة السعودية في بيروت والتي دعت رعاياها الى الحذر أو الى مغادرة لبنان، سوى بيانات ذات طابع سياسي بإجماع العارفين والمعنيين، إذ إنه لا معطيات أمنية خطيرة إمتلكتها تلك السفارات أو عواصل القرار التابعة لها، تدفع الى هذا المستوى من الحذر والتحذير، ولعل ربط تلك البيانات التوجه الجديد ل" اللجنة الخماسية" هو الأكثر دقة.
ويبدو أن النقاش الحقيقي يتركز بشكل كبير في مدى التصعيد الذي قد تصل إليه الولايات المتحدة الاميركية أو دول "الخماسية" للضغط على القوى السياسية ودفعها لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهل تعديل الإستراتيجية تجاه لبنان من كونها حوارية إحتوائية تتولاها فرنسا، لتصبح تصعيدية عقابية تقودها واشنطن، يعني أن جميع الخطوط الحمر السابقة التي وضعها الغرب قد سقطت؟
في الأيام الماضية تكاثرت الأحداث الأمنية في لبنان، إنطلاقاً من المعارك التي شهدها مخيم عين الحلوة وصولا الى حادثة الكحالة مرورا بما قيل عن إغتيال قيادي تابع لحزب "القوات اللبنانية" في عين إبل، ما أوحى بأن سُبحة التفلت الأمني قد بدأت وقد تنزلق لتصبح غير قابلة للضبط، وما زاد الطين بلة هو ما انتشر عن محاولة إغتيال وزير الدفاع موريس سليم.
بحسب مصادر مطلعة فإن الاوضاع الامنية ليست بالخطورة التي يصورها البعض، وأن تفلت الأمور الذي حصل هو خارج عن قدرة الأجهزة الأمنية على الضبط الإستباقي، فعين الحلوة مخيم خارج نسبيا عن سلطة الدولة، أما حادثة الكحالة فهي "حدث ابن ساعته"ولم يكن ضمن الحسابات وما كان ليحصل لولا الحادث الذي تعرضت له شاحنة "حزب الله".
وترى المصادر أنه على عكس ما يقال، فإن ما حصل يؤكد أن الوضع الامني ممسوك، لا بل يؤكد أيضاً أن لا قرار داخليا أو خارجيا بالذهاب الى الفوضى الأمنية، فإشتباكات عين الحلوة التي إستمرت لعدة أيام كان من الممكن بسهولة أن تُنقل الى مخيمات أخرى نظرا لطبيعة الخلاف، لكن الأمر كان يحتاج الى قرار سياسي خارجي وهذا ما لم يتوفر، بل تم تطويق الإشتباك بالرغم من أن نتائجه لم تكن مرضية لبعض الأطراف الفلسطينية.
وفي شأن حادثة الكحالة، فإن الذهاب الى مسار كامل من التصعيد الميداني كان سهلاً بعد كل الحقن الذي رافق الحادثة، لكن هذا لم يحصل بل إكتفت الاطراف المتقاتلة بالتصعيد السياسي والإعلامي، وهذا يشمل حادثة مقتل المسؤول القواتي في عين إبل، اذ سعت جميع الأطراف للإلتزام بسقف خطابي معين لا يؤدي الى تفلّت الأمور.
من كل ما تقدم، يظهر أن التمسك بقاعدة عدم الذهاب الى الفوضى في لبنان لا يزال ساري المفعول لدى الدول المؤثرة في الملف اللبناني، وهذا يعني أن التصعيد الذي تلوح به هذه الدول، هو تصعيد سياسي واقتصادي فقط، وتحكمه حدود معينة لا يمكن تجاوزها أقله في المدى المنظور.