لم يكتفِ الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله، في طلّته الأخيرة، بالإشادة بالحوار القائم مع "التيار الوطني الحر"، ووصفه بأنه "جيد وإيجابي، بل زاد ما لم يكن رئيس "التيار" النائب جبران باسيل يتوقعه، حين قال إن "الورقة السياسية التي طرحها "التيار" بشخص رئيسه، في حاجة إلى تشاور مع بعض الأطراف"، ما يعني أن الحزب لن يتفرّد في الرد عليها إلا بعد تداول مضمونها مع حلفائه، لأنه لن يقرر بالنيابة عنهم، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يملك ترفاً للوقت ولا مصلحة في الانتظار إلى ما لا نهاية. ولم يكن "السيد" في حاجة إلى تسمية الرئيس نبيه بري، وهو المقصود أكثر من غيره من الحلفاء، لكي يتشاور معه في ما ورد في ورقة باسيل، من كبيرها حتى صغيرها. وهذا يعني أيضًا المزيد من الوقت، والمزيد من الأخذ والردّ، والمزيد من التمحيص والدراسة، لأن ما يُطالب به باسيل في هذه الورقة المكتوبة يحتاج إلى التعمّق في كل فاصلة واردة فيها، لأن الأمور، على جدّيتها، لا يمكن سلقها أو القبول بها كما هي، أو كما يُقال "على علاّتها". فثمة مواضيع يمكن مناقشتها بأعصاب هادئة وبعقل بارد، وثمة مواضيع أخرى لا يمكن القبول بها على "العميانة".
فالتريث في إعطاء جواب نهائي لا تعني، كما تقول أوساط "الثنائي الشيعي"، التمييع أو المماطلة، لأن لا أحد يملك ترف الوقت، ولأن ما كان مقبولًا عندما كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير متوترة، لم يعد جائزًا اليوم في ظل كل هذه الأزمات، التي يعيشها البلد، والتي تنذر بعواقب وخيمة في حال تمّ تأخير انتخاب رئيس جديد للجمهورية إلى أجل غير معروف، مع ما يحيط هذا التأخير من ملابسات تختلط فيها مصالح الداخل مع بعض المصالح الخارجية.
وما إشارة نصر الله إلى عامل الوقت سوى الإيحاء بأن الحوار القائم بين حزبه و"التيار الوطني" لا يرتبط بأي استحقاق، وبالأخصّ في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، الذي يبدو أنه سيرحّل على الأرجح إلى ما بعد العاشر من كانون الثاني 2024، أي إلى ما بعد إحالة قائد الجيش العماد جوزاف عون على التقاعد، اعتقادًا من باسيل أن هذه الإحالة ستؤدّي إلى تراجع حظوظ عون الرئاسية، وصولًا إلى استبعاده نهائيًا من قائمة المرشحين المحتملين في السباق الرئاسي.
فـ "حزب الله" خبر نوايا باسيل في أكثر من محطة، كان يصّب بعضها في خانة تمتين العلاقة معه، فيما كانت خيبات الأمل أكثر بكثير، وبالأخصّ في الفترة الأخيرة، التي تلت تبنّي "الحزب" ترشيح فرنجية، مع ما أبداه من التفاف لم يكن متوقعًا بهذه السرعة القياسية. وهو يحاذر في حواره الجديد مع حليفه القديم، والذي كان يعتبر الحلف معه استراتيجيًا، ولن يراهن على "سمك في البحر"، وهو يريد الوصول من خلال تعويم تحالفه مع رئيس "التيار" إلى نتائج متقدمة في السباق الرئاسي، مع علمه المسبق أن اتفاقه معه لا يكفي وحده لإيصال فرنجية إلى قصر بعبدا، لأن لدى "المعارضة" أوراقًا مخفية يمكن استخدامها في "وقت الحشرة"، ومن بينها تعطيل أي جلسة قد يُشتمّ منها بأن "بوانتاجها" قد يؤّمن حصول مرشحه الثابت والوحيد على أصوات أكثر من نصف أعضاء المجلس النيابي.
ولذلك، فإن هذا الحوار الثنائي، وبمباركة غير ظاهرة من مهندس تدوير الزوايا، لن يطول كثيرًا، وبالتالي فإن "حزب الله"، ومعه الرئيس بري، الذي أدخله نصرالله إلى دائرة النقاش والتشاور، لن يقع في أفخاخ "الحبيب" الذي يعرف مكانته فيسمح لنفسه بأن يتدّلل أكثر مما يسمح به الوقت، الذي يسير بسرعة الصوت بالنسبة إلى "حارة حريك"، التي تعتبر أن عامل الوقت لا يعمل لمصلحتها، خصوصًا أن أقطاب المعارضة يستعملون ضدها سلاحًا بدأ يلقى قبولًا لدى أكثر البيئات المسيحة وغير المسيحية.